شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٦٢٩
لا أنه يدركه، إذ لو كان مدركا له، لكان يدركه كل واحد لظهور الخيال في كل واحد، بخلاف القلب، فإنه خفى لا يظهر إلا لمن كحلت بصيرته بنور الهداية. و ما يجده كل واحد في خياله من المنامات الصادقة، إنما هو بمقدار صفاء قلبه و ظهوره، لا بحسب خياله.
(لو أن العرش وما حواه مأة ألف ألف مرة في زاوية من زوايا قلب العارف، ما أحس به). وإنما قيد ب‍ (قلب العارف) لأن قلب غيره، من أصحاب الأخلاق الحميدة والنفوس المطمئنة، ما يشاهد إلا شيئا قليلا، ولا يكاشف إلا نذرا يسيرا. وقلب صاحب النفس الأمارة واللوامة أضيق شئ في الوجود، بل لا قلب له حينئذ لاختفائه، وظهور النفس بصفاتها.
(وهذا وسع أبى يزيد في عالم الأجسام) أي، وسع قلبه، لأنه ما يخبر إلا عما يجده في قلبه، لا وسع مرتبة القلب إذا كان في غاية كماله. لذلك قال: (بل أقول: لو أن ما لا يتناهى وجوده) أي، من عوالم الأرواح والأجسام. (يقدر انتهاء وجوده مع العين الموجدة له) (18) وهو الحق المخلوق به السماوات والأرض، أي، الجوهر الأول الذي به وجدت السماوات والأرض.
(في زاوية من زوايا قلب العارف، ما أحس بذلك في علمه). وذلك لأن الحق تجلى له باسمه (الواسع) و (العليم المحيط بكل شئ)، فيسع الممكنات كلها. وأما كونه لا يحس بها، فذلك لاشتغال القلب عنها بمبدعها وخالقها، بل

(18) - أي، هذا مقام أبى يزيد بحسب مقام قلبه المقيد المتوجه إلى عالم الأجسام. واما وسعه بحسب مقام قلبه الإطلاقي، فهو الذي قال: (بل أقول: لو أن...). وأما قوله:
(مع العين الموجدة له) لو كان المراد مقام (الفيض المقدس الإطلاقي) فيشكل الأمر حيث إن لا مقام فوق ذلك حتى يكون وعائه. والجواب أن مقام (المشيئة المطلقة) مقام التدلي و فوقه (أو أدنى) الذي هو الاضمحلال في الأحدية والبقاء بالواحدية. ولو كان المراد منها التعين الأول ومما لا يتناهى وجوده ما عداه من العقول، فالأمر واضح لا سترة عليه. (الامام الخميني مد ظله)
(٦٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 624 625 626 627 628 629 630 631 632 633 634 ... » »»