شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٦٢٦
واعلم، أن الرد والإنكار إنما يقع في التجليات الإلهية. لأن الحق تارة يتجلى بالصفات السلبية، فتقبله العقول، لأنها منزهة مسبحة للحق عما فيه شائبة التشبيه والنقصان، وينكره كل من هو غير مجرد، كالوهم والنفس المنطبعة و قواها، لأن من شأنهم إدراك الحق في مقام التشبيه والصور الحسية. وتارة يتجلى بالصفات الثبوتية، فتقبله القلوب والنفوس المجردة، لأنها مشبهة من حيث تعلقها بالأجسام ومنزهة باعتبار تجردها، وتنكره العقول المجردة لعدم إعطاء شأنها إياها، بل ينكر تلك الصفات أيضا بالأصالة. وفي هذا التجلي قد يتجلى بصور كمالية، كالسمع والبصر والإدراك وغيرها، وقد يتجلى بصور ناقصة من صور الأكوان، كالمرض والاحتياج والفقر، كما أخبر الحق عن نفسه بقوله:
(مرضت، فلم تعدني، واستطعمت، فلم تطعمني). وقوله: (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه). وأمثال ذلك. فيقبله العارفون مظاهر الحق، وينكره المؤمنون المحجوبون لاعتقادهم بأن الحق ما يتنزل عن مقامه الكمالي.
فقبل كل منهم ما يليق بحاله ويناسبه من التجليات الإلهية، وأنكره ما لم يكن تعطيه شأنه. والإنسان الكامل هو الذي يقبل الحق في جميع تجلياته ويعبده فيها.
ولما كانت العقول الضعيفة عاجزة من إدراك التجليات الإلهية في كل موطن ومقام والنفوس الأبية طاغية غير معظمة لشعائر الله، أوجب إسناد الصور الكمالية إليه، ورد ما يوجب النقصان عنه، مع أنه هو المتجلي في كل شئ، والمتخلي عن كل شئ (15) (فللواحد الرحمن في كل موطن من الصور ما يخفى وما هو ظاهر)

(15) - قوله: (ولما كانت العقول...) إعتذار عن الشيخ حيث فصل بين الصور الناقصة و غيرها، مع أنه من أصحاب القلوب وأرباب النواظر الصحيحة، خصوصا مع كونه قائلا عن لسان رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، بأن ذلك وقع منه بمناسبة حال المحجوبين والجمهور من الناس، لا بالنسبة إلى حال نفسه ومقامه. (الامام الخميني مد ظله)
(٦٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 621 622 623 624 625 626 627 628 629 630 631 ... » »»