قال: (مثلنا) لأن العارف المطلع على مقامه هو على بينة من ربه، يخبر عن الأمر كما هو عليه، كإخبار الرسل عن كونهم رسلا وأنبياء، لا أنهم ظاهرون بأنفسهم مفتخرون بما يخبرون عنه:
(فمن شهد الأمر الذي قد شهدته * يقول بقولي في خفاء وإعلان:) أي، من شهد الحقائق في الغيب الإلهي كما شهدت ويجد الأمر كما وجدت، لا يبالي أن يقول بمثل هذا القول في السر والعلانية:
(ولا تلتفت قولا يخالف قولنا * ولا تبذر السمراء في أرض عميان) أي، لا يلتفت إلى قول المحجوبين من أهل النظر وغيرهم من المقلدين لهم و أصحاب الظاهر الذين لا علم لهم بحقائق الأمور، إذا كان قولهم مخالفا لقولنا.
ولا تبذر الحنطة السمراء. أي، القول الحق الذي يغذي الباطن والروح، في أرض استعداد العميان الذين لا يبصرون الحق في الأشياء ولا يشاهدونه في المظاهر:
(هم الصم والبكم الذين أتى بهم * لأسماعنا المعصوم في نص قرآن) لأنهم الصم عن سماع الحق، والبكم عن القول به، والعمى عن شهوده، إذ طبع الله على قلوبهم بعدم إعطاء استعداد المشاهدة وإدراك الحق. كما أتى المعصوم، أي نبينا عليه السلام، في القرآن في حقهم: (صم بكم عمى فهم لا يعقلون).
و (الباء) في (بهم) للتعدية. أي، أتى بهذا القول في حقهم.
(اعلم، أيدنا الله وإياك، أن إبراهيم الخليل، عليه السلام، قال لابنه: (إني أرى في المنام أنى أذبحك) والمنام حضرة الخيال فلم يعبرها) أي، المنام حضرة المثال المقيد المسمى بالخيال. فالمرئي فيها قد يكون مطابقا لما يقع في الظاهر، وقد لا يكون كذلك، بل يدرك النفس معنى من المعاني الغيبية من الطريق الذي لا