شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٦٠٢
(الكون) بمعنى (التكوين). أي، سوى إيجادي في الخارج، كما مر تقريره في الحمد من إنا نحمده بإعطاء الوجود وإفاضة كمالاته علينا. وهذا الكلام إنما هو باعتبار الفيض المقدس الذي به كمال الاسم (الظاهر)، لا باعتبار الفيض الأقدس، لأنه من ذلك الوجه الأعيان أيضا منه، وإليه يرجع الأمر كله. فنحن له ملك وهو حاكم علينا بالوجود. (كنحن لنا)، أي، كما نحن ملك لنا باعتبار أعياننا الحاكمة علينا. أو: وليس له غذاء سوى وجودي، لاختفائه في وجودنا بظهور هويته في هويتنا، فنحن له غذاء كما نحن لنا غذاء. وفي بعض النسخ: (كنحن بنا). أي، مغتذ بأعياننا.
(فلي وجهان هو وأنا وليس له أنا بأنا) أي، إذا كان وجودي عين الوجود المطلق وقد تميز بانضمامه إلى عيني، فلي وجهان: وجه الهوية، ووجه الأنانية. ومن الوجه الأول، ليس بيننا امتياز ولا بين، فلا ربوبية ولا عبودية. ومن الثاني، يكون التميز، وتظهر العبودية والربوبية.
(وليس له أنا بأنا) أي، وليس للحق أنانية بسبب أنانيتي، بل أنانيته بذاته، وهي غنية عما سواها، وأنا نيتي مفتقرة إليها معلولة لها، وإذا ظهرت أنانيته تفنى الأشياء وتعدم الأغيار. أو: وليس له أنانية تعينه، وتجعله في الخارج ممتازا عنا مفارقا منا، كما توهم أهل العقل، وذلك بسبب اختفائه في أنانيتنا.
لذلك قال:
(ولكن في مظهره فنحن له كمثل إنا) (مظهره) مصدر ميمي. أي، لكن في ظهوره. ويجوز أن يكون اسم المكان، و حينئذ يكون (في) تجريديا. أي، لكن نحن مظهره، وكان فينا شئ منتزع منا هو مظهره، كما قال الله تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) (28)

(28) - (الأسوة) من يقتدى به. والظاهر أن يقال: لكم رسول الله أسوة حسنة. لكنه قال: لكم
(٦٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 597 598 599 600 601 602 603 605 606 607 608 ... » »»