شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٤٤٠
الأول، صرح بأنه ليس بالمهدي المسمى المعروف المنتظر، وبين الفرق بينهما بقوله: (فان ذلك (أي المهدى عليه السلام) من سلالته وعترته، والختم ليس من سلالته الحسية). أي المهدى، عليه السلام، من سلالة أعراقه وطينه، وذلك الختم من سلالة أعراقه فقط.
فالألف واللام في قوله: (والختم) للعهد. أي، الختم الذي كنت في بيانه، غير الختم المحمدي الذي هو المهدى، فإنه صرح في غير موضع بأنه، عليه السلام، خاتم الولاية المحمدية، وقد عرفت بعضها. وقال في صفحة استخراج ظهور المهدى من صفحات جفره: (إذا دار الزمان على حروف * ببسم الله، فالمهدي قاما ويظهر بالحطيم عقيب صوم * ألا فاقرأه من عندي سلاما أي، تسليمي بأنه خاتم الولاية المطلقة المحمدية. وذلك المعنى للسلام مقصوده، يدل عليه قاعدتهم في التفسير إن كنت تعرفها وإلا (سخن را روى با صاحبدلان است).
قال العلامة: (والكل إشارة إلى نفسه). أقول: قد عرفت أن ما نقل عنه في الأول إشارة إلى المهدى، عليه السلام، وفي الثاني إشارة إلى نفسه. ولا ينافي الأول بل يؤكده.
ثم قال: (والله أعلم بالحق). أقول: ما علمه الله من الحق، قد ألهمني بجوده و كرمه. والحمد لله وما كنا لنهتدي لو لا أن هدانا الله.
قوله: (والسبب الموجب لكونه رآها...) إلى آخره. قد شرحها العلامة ويظهر من شرحه وشرح ما قبله وما بعده أن قوله: (وأما خاتم الأولياء فلا بد له من هذه الرؤياء) لا يختص بخاتم دون خاتم. كما ذهبنا إليه.
قوله: (وكذلك خاتم الأولياء كان وليا وآدم بين الماء والطين...). أقول: أراد بخاتم الأولياء خاتم الولاية المحمدية بحسب الرتبة والزمان كليهما، لأنه صاحب مرتبة الولاية المحمدية، وهو الذي جميع الأنبياء والأولياء يرون الحق من مشكاة ولايته، فإن ولايته ولاية رسول الله غير مستترة بستر النبوة، وهو أقرب الناس إلى رسول الله، ولذلك يسرى ولايته في جميع الأنبياء والمرسلين والأولياء الكاملين، فيكون ولايته شمسية وولاية غيره قمرية، فيكون سر الأنبياء والأولياء أجمعين، كما أن الشمس سر القمر ونورها سر نوره. تارة يظهر بعلوه في الصورة العلوية فيكون أمير المؤمنين، وتارة يظهر بسلطانه في الصورة المهدوية فيكون سلطان العالمين، فيملأ الأرض قسطا وعدلا بعد ما ملئت ظلما و جورا. ولذلك قال، قدس سره: (فخاتم الرسل من حيث ولايته نسبته مع الختم للولاية نسبة الرسل والأنبياء معه). أي، في استناد ولايتهم إليه، لا في أخذها واستفاضتها عنه، فإن خاتم الرسل هو الأصل والمحتد في الولاية، والكل يأخذون كل الكمالات عنه، صلى الله عليه وآله، فهو لا يأخذ عن غيره. وقد علمت أن أوصيائه المعصومين ما هم بغيره.
قوله، قدس سره، فيما نقل عنه العلامة هاهنا: (وأكمل مظاهره في قطب الزمان وفي الأفراد وفي ختم الولاية المحمدية وختم الولاية العامة الذي هو عيسى، وهو المعبر عنه بمسكنه).
(* قول الشارح: " وهو المعبر عنه بمسكنه " أى، صرح الشيخ فى أول باب الرابع عشر: فى معرفة أسرار الانبياء أعنى أنبياء الاولياء وأقطاب المكملين من آدم عليه السلام، إلى محمد، صلى الله عليه وسلم. وإن القطب واحد منذ خلقه الله، لم يمت وأين مسكنه؟ الفتوحات، ج 2، طبع عثمان يحيى (القاهره) ص 356 ف 558. (أنا العبد ج آشتيانى)) يجب أن يعلم أن ظهوره، صلى الله عليه والسلام، فيهم أيضا مختلف، فإن من لا يكون على قلبه، ليس كمن يكون على قلبه وذلك ظاهر. فظهوره، عليه السلام، في ختم الولاية المحمدية الذي يكون على قلبه، أتم وأكمل من ظهوره في ختم الولاية العامة.
قال العلامة: (واعلم، أن الولاية منقسمة إلى المطلقة والمقيدة) أي، العامة و الخاصة، لأنها من حيث هي هي صفة إلهية مطلقة، ومن حيث استنادها إلى الأنبياء والأولياء مقيدة، والمقيدة متقومة بالمطلق، والمطلق ظاهر في المقيد، فولاية الأنبياء و الأولياء كلهم جزئيات الولاية المطلقة، كما أن نبوة الأنبياء كلهم جزئيات النبوة المطلقة. فإذا علمت هذا، فاعلم أن مراد الشيخ، رضى الله عنه، من ولاية خاتم الرسل، ولايته المقيدة الشخصية، ولا شك أن هذه الولاية نسبتها إلى الولاية المطلقة نسبة نبوة سائر الأنبياء إلى النبوة المطلقة.
قد جعل الشيخ، قدس الله روحه، عيسى ختم الولاية المطلقة في أجوبة الإمام محمد ابن على الترمذي، لقوله: (وإما ختم الولاية على الإطلاق فهو عيسى، عليه السلام). و جعله هاهنا، أي في آخر الباب الرابع عشر من الفتوحات، ختم الولاية العامة بقوله: (و ختم الولاية العامة الذي هو عيسى، عليه السلام). فمراده من العموم والإطلاق معنى واحد، لكنه ذكر العموم والإطلاق في الموضعين مع الولاية المحمدية. والعام إذا ذكر مع الخاص، بالعطف أو الترديد، يراد منه ما وراء الخاص. كما إذا قلنا: الحيوان والإنسان كلاهما كذا. أو يقال: الشئ إما حيوان أو انسان. فالولاية العامة، أو المطلقة، غير الولاية المحمدية، ولا يشمله ولا يقابله. فختمها لا تكون على قلب محمد، صلى الله عليه وآله، و ختم الولاية المحمدية من يكون على قلبه، صلى الله عليه وآله وسلم، فختم الولاية المحمدية، أكمل من ختم الولاية المطلقة أو العامة، لكونه على قلبه، صلى الله عليه وآله، و عدم كون ختم الولاية العامة على قلبه، صلى الله عليه وآله. فهو سر الأولياء أجمعين، لأن الكامل سر الناقص وباطنه. والأنبياء أولياء، فهو سر الأنبياء أجمعين. وقد صرح الشيخ بأنه على بن أبى طالب فيما نقلنا عنه حيث قال: وأقرب الناس إليه، صلى الله عليه وآله، على بن أبى طالب، عليه السلام، إمام العالم وسر الأنبياء أجمعين. فخاتم الأولياء، الذي يرون الأنبياء والأولياء والرسل الحق من مشكاة ولايته، هو على بن أبى طالب، صلوات ا لله عليه وعلى أولاده. كما بيناه فيما مر. ويظهر سلطانه في قائمهم، عليه السلام، لكن العلامة زعم أن الإطلاق في كلام الشيخ وصف الولاية الكلية الإلهية ومراده حيث قال:
(فأما ختم الولاية على الإطلاق فهو عيسى، عليه السلام). أن عيسى هو خاتم الولاية الكلية الإلهية التي يأخذ جميع الأنبياء والأولياء منه، وغفل عن قول الشيخ حيث قال في على، عليه السلام: (إمام العالم وسر الأنبياء أجمعين). ولذلك زعم أن الأولياء والأنبياء يرون الحق من مشكاة ولايته، وحمل كلام الشيخ هناك عليه. وقد مر بيانه.
(* ما غفل الشارح العلامة فى المقام. والحق أنه تجاهل، وسببه خوفه من حكام عصره، لانه كان قائما بهم، أو لخوفه من فقهاء العامة، وهم أشر من حكامهم. وأكثرهم صرحوا بأن الاول والثانى من الخلفاء أفضلهم. وبعضهم، خذلهم الله، إلى أن الثالث من الخلفاء أفضل من علي، عليه السلام.) فقال هاهنا أيضا: (واعلم، أن الولاية تنقسم إلى المطلقة والمقيدة، أي، العامة و الخاصة. لأنها من حيث هي هي صفة إلهية مطلقة، ومن حيث استنادها إلى الأنبياء و الأولياء مقيدة، والمقيد متقوم بالمطلق، والمطلق ظاهر في المقيد، فولاية الأنبياء والأولياء كلها جزئيات الولاية المطلقة، كما أن نبوة الأنبياء كلهم جزئيات النبوة المطلقة. فإذا علمت هذا، فاعلم أن المراد الشيخ، رضى الله عنه، من ولاية خاتم الرسل ولايته المقيدة الشخصية، ولا شك أن هذه الولاية نسبته إلى الولاية المطلقة نسبة نبوة سائر الأنبياء إلى النبوة المطلقة). فسر القيصري (المطلقة) بالعامة، للإشارة إلى أن الإطلاق والعموم في كلام الشيخ بمعنى واحد، ثم ساق الكلام في نسبة المطلق والمقيد وقال: (والمقيد متقوم بالمطلق، والمطلق ظاهر في المقيد...) إلى آخر ما ساق إليه الكلام.
أقول: أراد أن يبين أن ولاية جميع الأنبياء والأولياء مأخوذة من ولاية خاتم الولاية