يتصور هنا العلو المكاني، لأنه منزه عن المكان، فتعين علو المكانة والمرتبة. وأول مراتب العلو مرتبة الذات، ثم مرتبة الأسماء والصفات، ثم مرتبة الموجود الأول، فالأول بحسب الصفوف إلى آخر مراتب عالم الأرواح، ثم مراتب السفل من هيولى عالم الأجسام إلى آخر مراتب الوجود. ولكل من مراتب العلو سفل باعتبار ما فوقها إلا للعلو المطلق، ولمراتب السفل علو باعتبار ما بعدها إلا السفل المطلق.
وقوله: (على قلوب الكلم) وتخصيصه بالقلب يؤيد ما ذهبنا إليه: فإن العلوم والمعارف الفائضة على الروح لا يكون إلا على سبيل الإجمال، وفي المقام القلبي يتفصل ويتعين، كالعلوم الفائضة على العقل الأول إجمالا، ثم على النفس الكلية تفصيلا. ولذلك جعل مظهر العرش الروحاني الذي هو العقل الأول في عالم الملك فلكا غير مكوكب وهو (الفلك الأطلس)، ومظهر الكرسي الروحي الذي هو النفس الكلية فلكا مكوكبا ومتفاوتا في الصغر والكبر والظهور والخفاء وهو فلك الثوابت، ليستدل بالمظاهر على الظواهر، كما قال تعالى: (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب).
وإنما قال: (الحكم) ولم يقل: المعارف والعلوم. لأنهم، عليهم السلام، مظاهر الاسم (الحكيم)، إذ (الحكمة) هي العلم بحقائق الأشياء، على ما هي عليه، والعمل بمقتضاه (8) ولذلك انقسمت الحكمة إلى العلمية والعملية.
والمعرفة هي إدراك الحقائق، على ما هي عليه، والعلم إدراك الحقائق و لوازمها، ولذلك يسمى التصديق (علما) والتصور (معرفة). كما قاله الشيخ ابن الحاجب في أصوله. وأيضا، المعرفة مسبوقة بنسيان حاصل بعد العلم بخلاف العلم، لذلك يسمى الحق بالعالم دون العارف.
فلما كان العلم والعمل به أتم من كل منهما، أي من العلم والمعرفة،