فصدق أن مسمى الصلاة منقسم، أي متعدد. (فالصلاة منا ومنه.) ولما كان (المصلى) لغة يطلق على الفرس التابع للمجلى، وهو الفرس السابق في حلبة السباق، (26) قال: (فإذا كان هو المصلى، فإنما يصلى باسمه (الآخر)) أي، فإذا كان الحق هو المصلى، أي المتجلي لنا بصور استعداداتنا، فإنما يصلى ويتجلى لنا باسمه (الآخر)، لأن الآخرية مستفادة منه.
(فيتأخر) الحق (عن وجود العبد، وهو عين الحق الذي يتخيله العبد في قلبه بنظره الفكري أو بتقليده وهو إله المعتقد.) وفي بعض النسخ: (وهو الإله المعتقد). الأول بكسر (القاف)، والثاني بفتحها. ولا شك أن الاعتقاد تابع لوجود المعتقد، فيتأخر عن وجوده.
(ويتنوع بحسب ما قام بذلك المحل من الاستعداد، كما قال الجنيد حين سئل عن المعرفة بالله والعارف، فقال: (لون الماء لون إنائه). وهو جواب ساد أخبر عن الأمر بما هو عليه.) أي وتتنوع صور إله الاعتقادات بحسب الاستعدادات القائمة بمحالها وأعيانها، لأن الحق المطلق لا تعين له ولا تقيد أصلا، بلا اسم له ولا نعت ولا صفة من هذه الحيثية، وكل ما ينسب ويضاف إليه فهو عينه. كما قال أمير المؤمنين، كرم الله وجهه: (كمال الإخلاص نفى الصفات عنه). و عند التجلي يتجلى بحسب استعداد المتجلى له على صورة عقيدته - كما يدل عليه حديث (التحول) - يوم القيامة. لذلك أجاب الجنيد حين سئل عن المعرفة بالله والعارف بقوله: (لون الماء لون إنائه). أي، تجلى الحق بصورة المعرفة، إنما هو بحسب استعداد المتجلى له. وهو جواب محكم مطابق لما في نفس الأمر: فإن الماء لا لون له ويتلون بألوان ظروفه، فكذلك الحق لا تعين له يحصره ويتعين على حسب من يتجلى له.