شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ١١٦٨
ولما كانت هذه المحبة ظاهرة في رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بواسطة حب الله إياه، قال: (فإنه أحبها بحب الله إياه تخلقا إلهيا.) ولكمال تخلقه بالأخلاق الإلهية، قال تعالى: (إنك لعلى خلق عظيم).
(ولما أحب الرجل المرأة، طلب الوصلة أي غاية الوصلة التي تكون في المحبة، فلم تكن في صورة النشأة العنصرية أعظم وصلة من النكاح.) أي، الجماع. (و لهذا تعم الشهوة أجزاءه كلها، ولذلك أمر بالاغتسال منه، فعمت الطهارة، كما عم الفناء فيها عند حصول الشهوة.) أي، ولأجل أن الرجل أحب المرأة والمرأة الرجل، وطلب كل منهما الوصلة إلى الآخر غاية الوصلة، عمت الشهوة جميع أجزاء بدنهما. كما قال:
إذا ما تجلى لي فكلي نواظر * وإن هو ناداني فكلي مسامع ولأجل عموم الشهوة إلى ما هو له وجه الغيرية والامتياز من الحق، أمر كل منهما باغتسال جميع أجزاء البدن، فعمت الطهارة، كما عمت الشهوة والمحبة الموجبة لفناء المحب في المحبوب.
(فإن الحق غيور على عبده) فيغار عليه (أن يعتقد أنه يلتذ بغيره) أي، بما وقع عليه اسم الغيرية والسوى واتصفت بالحدوث والإمكان، وان كان في الحقيقة عين الرحمن.
وإنما قال: (أن يعتقد أنه يلتذ بغيره) فإن العارف المعتقد حال التذاذه به أنه يلتذ بالحق الظاهر في تلك الصورة، هو مشغول بالحق، لا بغيره، فلا غيرية حينئذ. لكن لما كان تلك الصورة متعينة ممتازة عن مقام الجمع الإلهي الكمالي متسمة بسمة الحدوث، محل النقائص والأنجاس، أوجب عليه الغسل ليطهره مما اكتسب بالتوجه إليها والاشتغال بها من النقائص. وإليه أشار بقوله: (فطهره بالغسل ليرجع) العبد (بالنظر إليه) أي، إلى الحق فيشاهد الحق. (فيمن فنى فيه) وهو المرأة (إذ لا يكون إلا ذلك.) أي، طهره ليرجع إلى الحق، إذ لا بد من
(١١٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1162 1164 1165 1166 1167 1168 1169 1170 1171 1172 1173 ... » »»