بداية الحكمة - السيد محمد حسين الطباطبائي - الصفحة ٨٤
ومن هنا يظهر: أولا: أن التميز وصف إضافي للماهية، بخلاف التشخص، فإنه نفسي غير إضافي.
وثانيا: أن التميز لا ينافي الكلية، فإن انضمام كلي إلى كلي لا يوجب الجزئية، ولا ينتهي إليها وإن تكرر، بخلاف التشخص.
ثم إن التميز بين ماهيتين: إما بتمام ذاتيهما كالأجناس العالية البسيطة، إذ لو كان بين جنسين عاليين مشترك ذاتي، كان جنسا لهما واقعا فوقهما، وقد فرضا جنسين عاليين، هذا خلف، وإما ببعض الذات، وهذا فيما كان بينهما جنس مشترك، فتتمايزان بفصلين، كالإنسان والفرس، وإما بالخارج من الذات، وهذا فيما إذا اشتركتا في الماهية النوعية، فتتمايزان بالأعراض المفارقة، كالإنسان الطويل المتميز بطوله من الانسان القصير.
وهاهنا قسم رابع، أثبته من جوز التشكيك في الماهية (1)، وهو اختلاف نوع واحد بالشدة والضعف والتقدم والتأخر وغيرها، في عين رجوعها إلى ما به الاشتراك، والحق أن لا تشكيك إلا في حقيقة الوجود (2)، وفيها يجري هذا القسم من الاختلاف والتمايز.
وأما التشخص: فهو في الأنواع المجردة من لوازم نوعيتها، لما عرفت أن النوع المجرد منحصر في فرد (3)، وهذا مرادهم بقولهم: " إنها مكتفية بالفاعل توجد بمجرد إمكانها الذاتي "، وفي الأنواع المادية كالعنصريات، بالأعراض اللاحقة، وعمدتها: الأين، ومتى، والوضع، وهي تشخص النوع بلحوقها به في عرض عريض بين مبدأ تكونه إلى منتهاه، كالفرد من الانسان الواقع بين حجم كذا وحجم كذا، ومبدأ زماني كذا إلى مبدأ زماني كذا، وعلى هذا القياس. هذا هو المشهور

(1) وهو الشيخ الإشراقي، فراجع كلام الماتن في شرح حكمة الإشراق: 234.
(2) هكذا في تعليقات شرح حكمة الإشراق لصدر المتألهين، فراجع شرح حكمة الإشراق:
234 و 237.
(3) راجع الفصل السادس من هذه المرحلة.
(٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 79 80 81 82 83 84 85 86 88 89 90 ... » »»