بداية الحكمة - السيد محمد حسين الطباطبائي - الصفحة ١٢٢
سعيدا " وبمن يأوى إلى بيت ليستظل، فينهدم عليه فيموت ويسمى هذا النوع من الإتفاق: " بختا شقيا " (1).
وعلى ذلك بنى بعض علماء الطبيعة كينونة العالم، فقال: " إن عالم الأجسام مركبة من أجزاء صغار ذرية مبثوثة في خلاء غير متناه، وهي دائمة الحركة، فاتفق أن تصادمت جملة منها فاجتمعت فكانت الأجسام، فما صلح للبقاء بقي وما لم يصلح لذلك فنى سريعا أو بطيئا " (2).
والحق: أن لا اتفاق في الوجود. ولنقدم لتوضيح ذلك مقدمة، هي: أن الأمور الكائنة يمكن أن تتصور على وجوه أربعة (3): منها ما هو دائمي الوجود، ومنها ما هو أكثري الوجود، ومنها ما يحصل بالتساوي كقيام زيد وقعوده مثلا، ومنها ما يحصل نادرا وعلى الأقل كوجود الإصبع الزائد في الانسان.
والأمر الأكثري الوجود يفارق الدائمي الوجود بوجود معارض يعارضه في بعض الأحيان، كعدد أصابع اليد، فإنها خمسة على الأغلب، وربما أصابت القوة المصورة للأصبع مادة زائدة صالحة لصورة الإصبع، فصورتها أصبعا، ومن هنا يعلم: أن كون الأصابع خمسة مشروط بعدم مادة زائدة، وأن الأمر بهذا الشرط دائمي الوجود لا أكثريه، وأن الأقلي الوجود مع اشتراط المعارض المذكور أيضا دائمي الوجود لا أقليه، وإذا كان الأكثري والأقلي دائميين بالحقيقة فالأمر في المساوي ظاهر، فالأمور كلها دائمية الوجود جارية على نظام ثابت لا يختلف ولا يتخلف.

(1) هذا ما توهمه ذيمقراطيس كما في الفصل الرابع عشر من المقالة الأولى من الفن الأول من طبيعيات الشفاء.
(2) انتهى ما قال بعض علماء الطبيعة، وهو أنباذقلس كما في الفصل الرابع عشر من المقالة الأولى من الفن الأول من طبيعيات الشفاء.
(3) هكذا أجاب عن الإشكال الشيخ الرئيس في الفصل الثالث عشر من المقالة الأولى من الفن الأول من طبيعيات الشفاء.
(١٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 117 118 119 120 121 122 123 124 125 126 128 ... » »»