فردوس الحكمة في الطب - إبن سهل الطبري - الصفحة ٥٤٩
القطب الجنوبي ولا الكواكب التي هي قريبة منها، ولذلك لا يرى كوكب سهيل بناحية خراسان ويرى بالعراق في السنة أياما، فاما في البلدان الجنوبية فإنه يرى فيها السنة كلها فمتى مال إلى ناحية الجنوب غاب عنه القطب الشمالي والكوكب الذي هو قريب منها، وهذه الكواكب التي هي قريبة من القطب تدور حوله دورا مستويا ظاهرا للعيان، فاما الكواكب التي تبعد منه فإنها أيضا تدور دورا مستويا تاما غير أنه لما اتسع دورها لم يظهر لنا من بعضها الا قدر نصف الدور ونحو ذلك (وغاب باقي دوره عن الابصار)، وتدور دوره على الانصاف مثل الشمس فإنها تطلع في الصيف من وسط المشرق ثم تصعد في الفلك صعودا مستويا ثم تهبط على مثل ذلك الدور سواء ثم تغيب تحت الأرض وتدور هناك مثل ما دارت ههنا حتى تطلع أيضا.
وقالوا ان البحر أيضا مستدير، وبرهان ذلك انك إذا لججت فيه غاب عنك الأرض والجبال شيئا بعد شئ حتى تغيب ذلك كله فلا يرى شئ من شوامخ الجبال، فإذا أقبلت أيضا نحو الساحل ظهرت قلل الجبال ثم أجسامها شيئا بعد شئ فإذا قربت من الساحل ظهرت الأشجار والأرض، وخبرني عدة كنا وجهناهم بطبرستان إلى جبل عال بها يقال له جبل دنباوند يرى من رأس مائة فرسخ ويرتفع في رأسه ابدا مثل السحاب والثلوج متراكمة عليه لا يتحسر أبد الدهر ويخرج من أسفله نهر ماؤه اصفر كبريتي، فذكروا انهم صعدوه في يومين وليلتين وبعض اليوم الثالث فوجدوا قلته مساحة ثلثين جريبا أرضا، على انها من بعيد بمنزلة قبة منخرطة في رأي العين، وان عليها رملا تغيب فيه الاقدام وانهم لم يروا فيها دابة، وانه لا بلغها طائر ولا حيوان من شدة البرد وعواصف الرياح، وانهم عدوا في قلتها ثلثين ثقبا يخرج منها الدخان الكبريتي فلم يشكوا لذلك ولما
(٥٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 544 545 546 547 548 549 550 551 552 553 554 ... » »»