فردوس الحكمة في الطب - إبن سهل الطبري - الصفحة ٥٥٤
ان يكون في جوف شئ متناه محدود وشئ غير متناه ولا محدود، وقالوا أيضا ان كل ما كان متناهيا محدودا فقوته أيضا ذات نهاية والفلك والطبائع محدودة بقوتها وكونها اذن ذو نهاية، وقالوا أيضا ان في قولنا ان الفلك مستدير دليلا على أن الفلك ذو نهاية لان الاستدارة لا تكون الا في جسم، وأيضا ان كل شئ يعد الزمان فعله فان له ابتداء وانتهاء، وفعل الفلك حركته والزمان يعد ويحصى فعل الفلك هو الساعات واجزاء الساعات والأيام والاعراض فالفلك اذن جسم متناه محدود، وأيضا ان الأشياء لا تكون في دفعة واحدة بل تكون جزء بعد جزء وتلك الاجزاء كلها معدودة وكل معدود له ابتداء وانتهاء فاما لا نهاية له فإنه لا يعد ولا ينفد ولا ينقسم ولا يتجزأ لان كل شئ يتجزى فله بعض وما كان له بعض فله كل وما كان له بعض وكل فهو متناه محدود فالذي لا نهاية له لا يحد وأيضا فان ما لا نهاية له لا تقبل اجزاؤه الزيادة لأنه لا شئ أتم منه ولا تقبل النقص أيضا لان ما قبل النقصان نفد وفنى وكان في قبوله النقصان دليل على أنه غير تام وانه ذو نهاية ولو انا عددنا من كان من الناس في مدينة واحدة منذ مائة سنة ثم زدنا على ذلك العدد اضعافه لم يدفع أحد ان ذلك قد زاد فيه ولو نقصنا منه مثل نصفه لم يدفع أحد انه قد نقص منه، وكذلك لو اتخذنا عدد الناس منذ آدم وعيسى إلى دهرنا هذا ثم زدنا على ذلك العد مثله زاد فيه لا محالة، ولو كانت اجزاء العالم لا نهاية لها لما قبلت الزيادة والنقصان وأحصيت لان ما أحصي بعضه لم يمتنع كله من الاحصاء، وأيضا فان الشئ الذي هو غير ذي نهاية لا يكون له أول ولا وسط ولا آخر لان معنى قولك ان له أولا وآخرا ان له طرفين وما كان له طرفان فهو متناه وقد نرى لاجزاء العالم أوائل وأواخر وأواسط وذلك مثل الأزمنة والساعات والنبات
(٥٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 549 550 551 552 553 554 555 556 557 558 559 ... » »»