الشمس يقرب منه فيلتهب هواؤه والاخر جهة الشمال و هو مفرط البرد لبعد الشمس عنه فكل مدينة موضوعة في جهة المشرق فهي أشد اعتدالا وأقل أسقاما لان الشمس تصفي تلك المياه التي تجري من ناحية طلوعه، والمدن الموضوعة بإزاء المغرب تكثر أمراض أهلها لان مياههم تكون كدرة متغيرة وهواؤها غليظ لأنه تبقى الرطوبات فيه وتغلظ لذلك مياههم أيضا، والمدن الموضوعة على جهة الجنوب تكون مياهها حارة مالحة لينة تسخن في الصيف وتبرد في الشتاء وأبدان أهلها تكون رطبة لينة لما تتجلب إلى البدن من رطوبات الرؤوس، وتكثر نساؤهم الاسقاط لكثرة رطوباتهم، ولا يقدرون ان يكثروا من الطعام و الشراب لضعف رؤوسهم لان كثرة الشراب تغمر الدماغ و تغمره، وقل ما تعرض لهم ذات الجنب والحميات الحارة لكثرة رطوباتهم، والمدن الموضوعة على جهة الشمال و على إزائه فان مياهها يابسة بطيئة النضج وأهلها أشداء أقوياء عراض الصدور دقاق السوق، ورؤوسهم يابسة صحيحة واعمارهم طويلة لصحة أبدانهم وقلة فضول الرؤوس والبطون، وتكون أخلاقهم وحشية لغلبة المرة الصفرا عليهم، ويقل حبل نسائهم لكنهم لا يسقطن لبرد الماء ويبسه و يلدن بشدة وصعوبة ليبسهن، وانما تتسع صدورهن لان حرارتهن تهرب من برد مثل ذلك الهواء إلى أجوافهن فتقوى حرارات قلوبهن وتتسع لذلك الصدور، وانما تدق أرجلهم لارتفاع الحرارة عنها إلى فوق ولهذه العلة تيبس رؤوسهم وتلين بطونهم ويكثرون الأكل اضطرارا، و لا يكثرون الشرب لأنه لا يمكن ان يجمع الأكل والشرب،
(٥٠٢)