وربما يرى الجائع كأنه يأكل والعطشان كأنه يشرب الماء، فاما الكابوس فإنه ظلمة تعتري الدماغ فتفزع منها النفس الناطقة لان الظلمة مضادة لنور النفس، وقال قوم بل هو شئ يأتي النائم فيخبره باخبار صحيحة، فاما الخدر فإنه من أجناس الريح والدم في العظم من سدد أو غلظ أو انضغاط يحدث فيه، الباب الثاني عشر في الرويا والعين، قال بعض الفلاسفة ان من الرويا رويا بسيطة روحانية يراها العقل والنفس الناطقة، ومنها رويا مركبة جسمانية يراها النفس البهيمية، ومنها رويا " الطبيعية " يراها الطبيعة، فإذا رأى الرجل في النوم ما كان رآه في اليقظة فذلك " للنفس الناطقة وللنفس البهيمية جميعا، فإذا رأى شيئا لم يكن يراه في اليقظة فذلك للنفس الناطقة خاصة ويقال له رويا روحانية، والرؤيا الصحيحة هي التي تقبلها النفس " (1) الناطقة الجزوية من النفس الناطقة الكلية، فاما الرويا التي يتقدم فيها فكر الانسان فربما صدقت وربما كذبت، وما كان من الرويا من الحواس فان ذلك أضغاث احلام، وانما صارت النفس ترى في النوم الأشياء التي لم يراها الانسان في اليقظة لان النفس عند النوم أقوى منها عند اليقظة، لأنها تجمع قواها في النوم فتقوى على الانبساط إلى الأشياء " العالية عليها "، (2) كالرجل الأديب إذا كان في جماعة من الناس لم يحضره من ذهنه ما يحضره إذا خلى بنفسه، فاما في اليقظة فان النفس تشتغل بما تباشره من الأشياء، فإذا أرادت النفس معرفة شئ محسوس فإنها ترسل الحس إلى جهة المحسوسات
(٩٤)