فردوس الحكمة في الطب - إبن سهل الطبري - الصفحة ٩٥
فتدرك علم ذلك الشئ بالحس، وإذا أرادت النفس معرفة شئ عقلي فإنها ترفع الوهم إلى جهة العقل فتدرك ذلك الشئ بالعقل، وليس كل ما حس به البصر صحيحا فقد يرى الشمس كأنها مثل الرغيف وليست كذلك ويرى السراب كأنه الماء ويرى في المرآة انسانا مثله، وعلة ذلك أن المرآة جسم صقيل صاف قابل للصورة بسيطة من غير أن تنقل قوة البصر إلى المرآة أو ينتقل ما يرى في المرآة إلى البصر، وذلك كما يرى من صورة الأشياء في الماء الصافي وفي الأشياء المصقولة، ومعنى قوله النفس الجزوية والنفس الكلية مثل أصل الشجرة وفروعها التي هي شجرة واحدة غير أنه يقال ان فرع الشجرة جزء من اصلها، فكما أن فرع الشجرة يقبل قوته من الأصل فكذلك النفس الجزوية تقبل قوتها من النفس الكلية، والطبيعة الجزوية تقبل قوته من الطبيعة والكلية، فاما العين فإنه قال قوم انه تتفق في ذلك الوقت بعينه علة حادثة في الانسان ليس سببها العين، وقال بعض الحكماء المصريين انه إذا نظر الانسان إلى شئ حسن أنيق فكرت النفس فيه، فان أعجبها ذلك الشئ اعجابا شديدا دامت النظر اليه وأحبته فتحركت لذلك حركة قوية ودفعت ما بينها وبين ذلك الشئ من الهواء دفعا روحانيا لطيفا حتى يتصل التدافع بالشئ الذي أعجبها ويصدمه صدما خفيا فيتجع ويألم ذلك الشئ فيقال حينئذ انه اصابته العين، ويكون ذلك الالم والوجع على قدر قوة حركة النفس وتدافع اجزاء الهواء التي بينها وبين الشئ الذي أعجبها، وهذا قول لا أتقلده، غير اني اعلم أن تحريك الأنفس فوق تحريك الأجسام لان الأجسام أيضا انما تتحرك بقوة النفس وبتحريكها إياها، ومن لطافتها وعجيب فعلها انها تذهب في النوم واليقظة إلى الصين، والهند وأعالي السماء وأسافل الأرض بفكرتها من غير أن تفارق بدنها، وإذا قسنا فعلها
(٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 ... » »»