الغضب كان صارما معينا، وحد الغضب انه غليان الدم وانبعاث الحرارة الغريزية إلى خارج للانتقام ممن آذاها، ولذلك يشتد ويعظم عند الغضب نبض العروق ويسخن البدن ويحمر العينان ويدر العروق ويزداد الرجل عند الغضب قوة واقداما وبطشا، وقال أبقراط ان علة الغضب وغير الغضب مما يغير عقول الناس انما هو تغير الهواء واختلاف الأزمنة، وقال جالينوس ان الحكيم يدلنا بقوله هذا على أن أخلاق الأنفس تابعة لمزاجات الأبدان وسأشرح ذلك في بابه ان شاء الله، الباب الثامن في الشجاعة والجبن والجور والبخل والحلم " والنزق " والحدة والزهو والتواضع والحب والبغض، ان للحب والبغض والموافقة والمخالفة عللا ظاهرة وباطنة فاما العلة الباطنة فمثل الخواص التي في النبت والأحجار فان منها ما يوافق بعضه بعضا، ومنها ما يضاد بعضه بعضا، مثل مضادة السنور الفار والجدوار السم، وسأشرح ذلك فيما بعد، واما الحب والبغض فإنهما أيضا موافقة ومخالفة غير أن من الحب غريزيا مثل حب الرجل اهله وولده فان ذلك غريزي في كل دابة، ومنه حب الموافقة، وذلك أن تتفق طبيعة انسانين وتتشابه شيمهما وشهواتهما، والبغض خلاف ذلك وقد نرى ان كل دابة انما تالف شكلها وتوافق جوهرها وتهرب ممن خالفها، ومنه حب يكون سببه الحاجة مثل حب السيد لعبده وحب العبد لسيده وحب الرعية ملوكها، فان السيد انما يحب عبده لحاجته إلى خدمته ونصرته، ويحب العبد سيده لحاجته إلى مال السيد واحسانه، فان بطل هذا السبب بطلت هذه المحبة، فاما
(٩٠)