يقتضي صحته، ولم نجد مخالفي الشيعة في ماض ولا مستقبل يستعملون في تأويل خبر الغدير إلا ما يستعمله المتقبل، لأنا لا نعلم أحدا منهم يعتد به قدم الكلام في إبطاله والدفع له أمام تأويله، فإن كانوا أو بعضهم يعتقدون بطلانه أو يشكون في صحته، لوجب مع ما نعلمه من توفر دواعيهم إلى رد احتجاج الشيعة به وحرصهم على دفع ما يجعلونه الذريعة إلى تثبيته أن يظهر عنهم دفعه سالفا وآنفا ويشيع الكلام منهم في تصحيح الخبر كما شاع كلامهم في تأويله، لأن دفعه أسهل من تأويله وأقوى في إبطال المتعلق به وأنفى للشبهة.
فإن قال: أليس قد حكي عن ابن أبي داود السجستاني في دفع الخبر وحكي عن الخوارج مثله، وطعن الجاحظ في كتاب العثمانية فيه؟
قيل له: أول ما نقول: إنه لا يعتبر في باب الإجماع بشذوذ كل شاذ عنه، بل الواجب أن يعلم أن الذي خرج عنه ممن يعتبر قوله في الإجماع، ثم يعلم أن الإجماع لم يتقدم خلافه فإن ابن أبي داود والجاحظ لو صرحا بالخلاف لسقط خلافهما; بما ذكرناه من الإجماع خصوصا بالذي لا شبهة فيه من تقدم الإجماع وفقد الخلاف وقد سبقهما ثم تأخر عنهما، على أنه قد قيل: إن ابن أبي داود لم ينكر الخبر وإنما أنكر كون المسجد الذي بغدير خم متقدما، وقد حكي عنه التنصل من القدح في الخبر والتبرؤ مما قذفه به محمد بن جرير.
وأما الجاحظ فلم يتجاسر أيضا على التصريح بدفع الخبر، وإنما طعن على بعض روايته، وادعى اختلاف ما نقل من لفظه، ولو صرح الجاحظ والسجستاني وأمثالهما بالخلاف لم يكن قادحا لما قدمناه.
فأما الخوارج، فما يقدر أحد على أن يحكي عنهم دفعا لهذا الخبر وامتناعا من قبوله، وهذه كتبهم ومقالاتهم موجودة معروفة وهي خالية مما ادعي، والظاهر من