فما أورده المخالفون من منع كون المولى هنا بمعنى الأولى بهم، لجواز أن يكون بمعنى الناصر أو المحب أو السيد، وعلى تقدير الترك من منع عموم الأولوية إلى غير ذلك من الوجوه الركيكة لم يصدر إلا عن جهل بمعاني الأقاويل، أو عن تعنت وعناد وانهماك في الأضاليل، والاستقصاء في ذلك لا يناسب هذا الكتاب فلنكله إلى الكتب المبسوطة لأصحابنا في الإمامة.
إلا أننا لا نرى بأسا بأن نورد في كتابنا هذا شيئا من عبارة الشافي; لسيدنا المرتضى رضي الله عنه، مما ذكره لتقرير أصل الاستدلال بهذا الخبر، على الإمامة، تبركا وتيمنا، قال سلام عليه:
إن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - استخرج من أمته في ذلك المقام الإقرار بفرض طاعته ووجوب التصرف بين أمره ونهيه بقوله (عليه السلام): «ألست أولى بكم منكم بأنفسكم؟» وهذا القول وإن كان مخرجه مخرج الاستفهام، فالمراد به التقرير وهو جار مجرى قوله تعالى: ﴿ألست بربكم﴾ (1) فلما أجابوه بالاعتراف والإقرار رفع بيد أمير المؤمنين عليه السلام وقال عاطفا على ما تقدم: «فمن كنت مولاه فعلي مولاه» وفي روايات أخر: (2) «فهذا مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله» فأتى (عليه السلام) بجملة يحتمل لفظها معنى الجملة التي قدمها وإن كان محتملا لغيره، فوجب أن يريد بها المعنى المتقدم الذي قررهم به على مقتضى الاستعمال من أهل اللغة، وعرفهم وخطابهم.
وإذا ثبت أنه (عليه السلام) أراد ما ذكرناه من إيجابه كون أمير المؤمنين (عليه السلام) أولى بالأمة من أنفسهم; فقد أوجب الأحكام لأنه لا يكون أولى بهم من أنفسهم