ثم إذا نظرت إلى مكان تلك الخطبة وزمانها، وذلك الاهتمام الذي كان للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بذلك حتى أنه وقف في وسط الطريق وجمع الناس وحبس أوائلهم على أواخرهم في اليوم الشديد الحر، الذي كان بعضهم يلف رداءه على رجليه وبعضهم يضعه على رأسه، لم يشك أنه لم يكن إلا لأمر عظيم لم يجز إهماله ولا تأخيره بوجه، وما ذلك إلا لأمر لا يسع الناس جهله وليس ذلك إلا الإمامة، التي من مات ولم يعرفها مات ميتة جاهلية، وذلك يعني أن يكون المراد به الأولى بهم أو الإمام السيد المطاع.
ثم إذا نظرت إلى تفريع ذلك على ما قاله أولا من قوله: «ألست أولى بكم من أنفسكم»، وما أجابوا به عنه من قولهم: «بلى»، تعين لديك أن يكون بمعنى الأولى بهم، ولا تشك في ذلك إن كنت ممن له أدنى تتبع لأساليب الأقاويل عربية كانت أو غيرها، فإنه طريق مستمر بين جميع المتكلمين من آية أنه كانوا كما لا يرتاب في أنه إذا أقبل رجل على جماعة فقال: ألستم عارفين بعبدي زيد. ثم قال: فاشهدوا أن عبدي حر لوجه الله انصرف إلى ذلك العبد الذي أشهدهم عليه أولا لا غير، وإلا كان سفيها ملغزا معميا.
ولا شبهة أيضا أنه يفهم من غير توقف أن كل ما به يكون الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - أولى بالمؤمنين من أنفسهم يكون علي صلوات الله عليه أولى به بهم منهم (1)، من غير افتقار إلى إثبات عموم للأولوية.
وكل ما ذكرناه مما لا شبهة فيه عند من له أدنى رؤية في الكلام إذا أنصف ولم يتعنت.