قوله تعالى: (إنما وليكم الله ورسوله). (1) وجميع ما استشهدنا به من الشعر والخبر لا يجوز أن يكون المراد ب «مولى» فيه إلا «الأولى» ومن كان مختصا بالتدبير ومتوليا للقيام بأمر مما قيل إنه مولاه; لأنه متى لم يحمل على ما قلناه، لم يفد، وكيف يحمل قوله بغير إذن مولها إذا قيل: إن المراد به وليها على غير من يملك تدبير أمرها وإليه العقد عليها؟
فإن قال: قد دللتم على استعمال لفظة «مولى» في «أولى» فما الدليل على أن استعمالهم جرى على سبيل الحقيقة؟ لأن المجاز قد يدخل في الاستعمال كما تدخل الحقيقة.
قيل له: إنما يحكم في اللغة بأنه يستعمل في اللغة على وجه الحقيقة، بأن يظهر استعماله فيها من غير أن يثبت ما يقتضي كونه مجازا من توقيف أهل اللغة، أو ما يجري مجرى التوقيف، فأصل الاستعمال يقتضي الحقيقة، وإنما يحكم في بعض الألفاظ المستعملة بالمجاز لأمر يوجب علينا الانتقال عن الأصل.
فأما الدلالة على أن المراد بلفظة «مولى» في خبر الغدير: «الأولى»، فهو أن من عادة أهل اللسان في خطابهم إذا أوردوا جملة مصرحة وعطفوا عليها بكلام محتمل لما تقدم التصريح به ولغيره، لم يجز أن يريدوا بالمحتمل إلا المعنى الأول، فيبين صحة ما ذكرناه، أن أحدهم إذا قال - مقبلا على جماعة مفهما لهم وله عدة عبيد -: ألستم عارفين بعبدي فلان، ثم قال عاطفا على كلامه: فاشهدوا أن عبدي حر لوجه الله. لم يجز أن يريد بقوله: «عبدي» بعد أن قدم ما قدمه، إلا العبد الذي سماه في أول كلامه دون من سائر عبيده ومتى أراد سواه كان عندهم ملغوا خارجا عن طريق البيان، ويجري قوله «فاشهدوا أن عبدي حر» إذا كرر مجرى تسميته وتعيينه. هذه حالة كل لفظ محتمل عطف على لفظ مفسر على الوجه الذي