أذوقها. فالخوف هنا علم ويقين فهي المخففة.
وكذا إن جعل تعليلا للنهي وحده لأنه الذي قارنه في هذا البيت على معنى فإنني أخاف الآن أو إذا ما مت بتقدير أن تدفنني في الفلاة لا إلى جانبها أن لا أذوقها. انتهى.
قال ابن الملا: وها هنا بحث وهو أن الشاعر وإن كان من المغرمين بالصهباء المتهتكين بها لكنه من ذوي العقول الكاملة والأنظار الصائبة فكيف يظن به أنه غير قاطع بما يتيقنه غيره من عدم الذوق بعد الموت بل هو أمر مركوز في الأذهاب غني عن البيان.
وإنما جرى في كلامه هذا على مذهب الشعراء في تخييلاتهم ورام سلوك جادة تمويهاتهم فإنهم سحرة الكلام ومخترعو صور الإيهام. فأمر أولا بدفنه بعد الموت بجانب كرمة وأبدى عذره في ذلك بوصفها بقوله: الطويل تروي عظامي بعد موتي عروقها ليستفاد من ذلك علة الأمر بالدفن المذكور إشارة إلى أن ما لا يدرك كله لا يترك كله وإذا تعذرت التروية الحقيقية فلا أقل من حصول التروية المجازية.
ثم نهى ثانيا تأكيدا للأمر الأول عن دفنه لا بجنب كرمة وعلل ذلك بأنه يتيقن أنه لا يذوقها إذا مات فلا يتروى بها حقيقة. فدفنه لا إلى جانبها مفوت للتروية المجازية. ولمزيد شغفه بها آثر التعبير عن هذا اليقين بالخوف إيهاما لأنه مع ذلك لا يقطع بعدم الذوق.
وجعل رفع الفعل بعد أن معه دليلا على ما قصده معنى. وإنما قلناك إن تروية العظام مجازية لأن الروى حقيقة لذوات الأكباد عن عطش وليست العظام منها.