وكان معتزلة قد تبنوا فكرة خلق القرآن وكون كلام الله مخلوق.. بينما رفض ابن حنبل والحنابلة من بعده تبني هذه الفكرة على أساس أنها منافية للموروثات الفقهية التي ورثها عن الصحابة والتابعين فضلا عن كونها منافية للروايات التي يتبناها ويقوم مذهبه على أساسها.
من هنا قام المأمون بتصفية تيار الحنابلة أو من يطلقون على أنفسهم أهل الحديث واعتقل إما مهم ابن حنبل وأحكم الحصار الفكري من حوله كي يتراجع عن فكرة كون القرآن غير مخلوق إلا أن ابن حنبل أصر على موقفه مما أوقعه في دائرة التعذيب وظل في حبسه حتى توفي المأمون وجاء من بعده المعتصم الذي تبنى في مواجهته نفس الموقف، كذلك الخليفة الواثق من بعده، حتى جاء المتوكل فأعلن مناصرته للحنابلة الذين كانوا قد أطلقوا على أنفسهم أهل السنة والجماعة، وأطلق لهم العنان لنشر أفكارهم ورواياتهم تحت حمايته، فكان أن بطشوا بالمعتزلة والشيعة والمخالفين لهم وكثرت الفتن والصدامات الدموية.. (62) ولأجل هذا الموقف الذي تبناه المتوكل تغاضى الفقهاء عن مساوئه وجرائمه وانحرافاته التي تصطدم بجوهر الدين ونصوصه الصريحة، واعتبروا موقفه هذا كاف واحد؟؟؟ لجب هذه المساوئ والجرائم والتجاوزات وغفرانها...
يروى عن ابن تيمية قوله: ما أظن الله يغفل عن المأمون.. ولا بد أن يعاقبه على ما أدخله على هذه الأمة.. (63) وأجمع الفقهاء على أن أهل الحديث أو أهل السنة هم الذين يمثلون نهج الرسول (ص) وهم الفرقة الناجية من النار والطائفة المنصورة لولا هم لأهلك الناس المعتزلة وأهل الرأي.. (64) وفي منظور الفقهاء المأمون أهان السنة وأهلها وأكرم أصحاب الاعتزال (المعتزلة) والزنادقة وأن عصره لم يكن عصرا ذهبيا بل عصر ضلال وبدع وفساد عقائدي.. (65)