ومثل هذه المساوئ والتجاوزات التي تبرزها هذه الروايات أنما تكشف الوجه الآخر للمنصور وهو وجه يتناقص كما هو واضح مع الصورة التي يحاول إبرازها الفقهاء من خلال وضع المنصور في موضع المحدثين وأهل العلم...
وكما ألبس الفقهاء هذا الثوب للمنصور ألبسوه أيضا لولده المهدي من بعده حيث وضعوه في مصاف المحدثين ورووا عنه..
يقول السيوطي: المهدي أبو عبد الله محمد بن المنصور. كان جوادا ممدحا مليح الشكل محببا للرعية حسن الاعتقاد تتبع الزنادقة وأفنى منهم خلقا كثيرا وهو أول من أمر بتصنيف كتب الجدل في الرد على الزنادقة والملحدين، روى الحديث عن أبيه.. (42) وقال الذهبي: ما علمت فيه - أي في المهدي - جرحا ولا تعديلا.. (43) وروى الفقهاء في المهدي رواية منسوبة للرسول تقول: المهدي يواطئ اسمه اسمى واسم أبيه اسم أبي..
وهي رواية خاصة بالمهدي المنتظر الذي بشر به الرسول في آخر الزمان وقد طبقها الفقهاء على المهدي العباسي..
وكان المهدي يقتل على التهمة ومن أشهر قتلاه الشاعر صالح بن عبد القدوس.. (44) ويروى أن المهدي كان يحب الحمام فدخل عليه المحدث غياث بن إبراهيم فقال له رواية منسوبة إلى الرسول (ص) في الحمام، فأمر له المهدي بعشرة آلاف درهم.. (45) وروى أن شريكا دخل على المهدي. فقال له المهدي: لا بد من ثلاث.. إما أن تلي القضاء أو تؤدب ولدي وتحدثهم أو تأكل عندي أكله. ففكر ساعة ثم قال: الأكلة أخف على، فأكل ألوان من الطعام ثم حدثهم بعد ذلك وعلمهم العلم وولى القضاء لهم.. (46)