فظهر إسحاق بن راهويه والدارقطني وعلي بن المديني ويحيى بن معين وغيرهم الذين تتلمذ عليهم جامعو الأحاديث وأخذوا عنهم ووثقوهم ونقلوا الروايات عن طريقهم وعلى رأس هؤلاء البخاري وأبو داود والنسائي والدرامي والترمذي وابن ماجة والبيهقي ومسلم وابن حبان والحاكم وغيرهم.. (73) وقدم كتاب البخاري على هذه الكتب جميعا واعتبر أصح الكتب بعد كتاب الله لخلوه من الروايات التي تدعم الاتجاهات الأخرى خاصة الشيعة المنافس الدائم للفقهاء والحكام على مر تاريخ المسلمين..
واعتبر كتاب مسلم في الدرجة الثانية بعد البخاري بينما اختلف في كتب الآخرين وفي رواياتهم التي دخلت في دائرة القبول والرفض.. (74) وكان الفضل في انتشار البخاري وتقديمه يعود إلى الحكام وفقهاء السلاطين كذلك الحال بالنسبة لمسلم.. (75) من جهة أخرى حصل فقهاء الأحكام والعقائد على دعم الحكام وحمايتهم فدونوا كتب الفقه وكتب العقائد وتصدوا للتيارات المخالفة والمناهضة للوضع القائم ورموها بالزندقة والضلال وبدا أثر السياسة واضحا على نتاجاتهم الفقهية والعقائدية...
وأمسك الحكام بزمام الدين وأصبحوا يولون الفقهاء مناصب القضاء ويدعمون المذاهب الفقهية ويتغاضون عن اتجار الفقهاء بالدين مقابل سكوت الفقهاء عنهم ومباركتهم لمواقفهم و ممارساتهم..
وكان الفقهاء يسهمون بدور فاعل في اختيار الخلفاء وإضفاء المشروعية عليهم..
يروي السيوطي أنه لما ثار الترك على المستعين بالله وقبضوا عليه وضربوه وطالبوه بأن يخلع نفسه أحضروا القاضي ابن أبي الشوارب والشهود من الفقهاء وخلعوه (76)