ويحدثنا التاريخ أن الفقهاء وحكام المماليك كانوا في حالة وئام وتعايش ولم تبرز حالة صدام واحدة بين الطرفين رغم وجود شبهات شرعية حول تولي الرقيق أمر المسلمين ورغم أن الطرف الحاكم كان شديد التعسف والظلم للرعية.. (111) وحين سقطت الدولة العباسية على يد التتار عمل الظاهر بيبرس على إحياء الخلافة العباسية في مصر فاستقدم أحد أبناء العباسيين وهو أحمد بن الخليفة الظاهر بن الخليفة الناصر والذي كان قد فر هاربا من وجه التتر...
وخرج الظاهر بنفسه ومعه وزيره وقاضي القضاء تاج الدين بن بنت الأعز والفقهاء والأمراء لاستقباله وأسكنه قلعة الجبل ثم أشهد قاضي القضاة والفقهاء بأن نسبه يتصل بالعباس بن عبد المطلب وأقر بذلك القضاة والفقهاء، فقام السلطان بيبرس فبايعه وتبعه القضاة والفقهاء ولقب بالمستنصر بالله.. (112) ولم تكن فكرة نقل الخلافة العباسية إلى مصر سوى واجهة لحكام المماليك يستمدون منها الشرعية التي افتقدوها بسبب انتسابهم إلى الرق.
ففي نفس العام الذي وصل فيه المستنصر العباسي إلى مصر وهو عام (659 ه) قام بيبرس بجمع القضاة والفقهاء وجاء بالمستنصر ليخلع عليه خلعة السلطنة ويقلده حكم البلاد وتم ذلك في حفل كبير.. (113) وكان الخليفة العباسي في ظل حكم المماليك لا يملك من الأمر شئ فهو ليس إلا مجرد صورة وتنحصر مهمته في تقليد سلاطين المماليك وتفويضهم لحكم البلاد، وإذا ما بدرت منه بادرة أثارت ريب السلطان فإنه لا يتردد في عزله وحبسه أو قتله وتولية الخلافة لمن يشاء من أبناء العباسيين في مصر.. (114) وقد عايش الفقهاء هذا الوضع المتناقض والمخالف لقواعد الفقه والاعتقاد التي ورثوها عن طريق السلف والروايات.. (115)