إن المأمون هو الحاكم الوحيد في تاريخ المسلمين الذي حاز على غضب الفقهاء ونقمتهم ليس لأسباب دينية أو سياسية ولكن لأسباب مذهبية. حيث أنه خالف نهجهم ومال لأصحاب العقل والرأي مما هدد نفوذ الفقهاء وأفكارهم ومعتقداتهم التي فرضوها على الأمة بدعم من الحكام السابقين بالزوال..
يروي المؤرخون أنه لما جاء المتوكل أعلن سنة (234 ه) إبطال القول بخلق القرآن، وأظهر الميل للمحدثين ووقف بجانبهم واستقدمهم إلى سامراء وأجزل عطاياهم وأكرمهم وأمرهم بأن يحدثوا بأحاديث الصفات وأحاديث رؤية الله..
وجلس أبو بكر بن أبي شيبة في جامع الرصافة فاجتمع إليه نحو من ثلاثين ألف نفس وجلس أخوه في جامع المنصور فاجتمع إليه مثل هذا العدد، وكثر الدعاء للمتوكل وبالغ الفقهاء في الثناء عليه والتعظيم له واغتفروا له سوء فعاله.. (66) ويبدو لنا من خلال هذا أن فقهاء أهل السنة قد أخذوا الدفعة الكبرى التي أتاحت لهم الشيوع والانتشار والسيادة على الآخرين بالإضافة إلى نشر رواياتهم من المتوكل العباسي.
وأنه لولا هذه الدفعة لكان فقهاء أهل السنة ورواياتهم في ذمة التاريخ..
يروي السيوطي عن أحمد بن حنبل قوله: سهرت ثم نمت فرأيت في نومي كأن رجلا يعرج إلى السماء وقائلا يقول:
ملك يقاد إلى مليك عادل * متفضل في العفو ليس بجائر ثم أصبحنا فجاء نعي المتوكل من سر من رأى (سامراء) إلى بغداد.. (67) وروى أيضا عن عمرو بن شيبان قال: رأيت في الليلة التي قتل فيها المتوكل في المنام قائلا يقول: