ولقد تجاوز الفقهاء حدود هذا الحكم إلى تناول الدين منه والأخذ بفتاواه..
إلا أننا سوف نعرض هنا لعدد من الروايات التي تكشف الوجه الآخر لعبد الملك بن مروان وتكشف لنا من جانب أخر كيف سقط الفقهاء ضحية السياسة والحكام وأخضعوا الدين لهم، وأن لسان حالهم ينطق بلسان الحكام لا بلسان الدين..
يروى السيوطي عن ابن أبي عائشة قال: أفضى الأمر - الحكم - إلى عبد الملك بن مروان والمصحف في حجره فأطبقه وقال: هذا آخر العهد بك.. (27) ويروى أن عبد الملك أول من غدر في الإسلام، وأول من نهى عن الكلام بحضرة الخلفاء وأول من نهى عن الأمر بالمعروف.. وأول خليفة بخل في الإسلام.. (28) ويروى أنه خطب عبد الملك بن مروان بالمدينة بعد قتل ابن الزبير عام حج سنة خمس وسبعين فقال: أما بعد. فلست بالخليفة المستضعف - يعني عثمان - ولا الخليفة المداهن - يعني معاوية - ولا الخليفة المأفون - يعني يزيد - ألا وإن من كان قبلي من الخلفاء كانوا يأكلون ويطعمون من هذه الأموال. ألا وإني لا أداوى أدواء هذه الأمة إلا بالسيف حتى تستقيم لي قناتكم. تكلفوننا أعمال المهاجرين ولا تعملون مثل أعمالهم فلن تزدادوا إلا عقوبة حتى يحكم السيف بيننا وبينكم.. ألا وإنا نحمل لكم كل شئ إلا وثوبا على أمير أو نصب راية والله لا يفعل أحد فعلة إلا جعلتها في عنقه. والله لا يأمرني أحد بتقوى الله بعد مقامي هذا إلا ضربت عنقه.. (29) ويروى أن عبد الملك كان إذا قعد للحكم خيم على رأسه بالسيوف.. (30) هذا الشاعر يقول في بني مروان:
يا قوم لا تغلبوا عن رأيكم فلقد * جربتم الغدر من أبناء مروانا أمسوا وقد قتلوا عمرا وما رشدوا * يدعون غدرا بعهد الله كيانا ويقتلون الرجال البزل ضاحية * لكي يولوا أمور الناس ولدانا تلاعبوا بكتاب الله فاتخذوا * هواهم في معاصي الله قربانا (31)