خلاصة المواجهة - أحمد حسين يعقوب - الصفحة ٧٧
وقد وجدت هذه الشائعة تطبيقها العملي في مجال العطاء، فقد كان رسول الله يقسم المال بين الناس بالسوية، لا فضل في ذلك لعربي على أعجمي، ولا لمهاجري على أنصاري، ولا لصريح على مولى، لأن حاجات أبناء البشر الأساسية متشابهة، وقد أصبح عمل الرسول هذا سنة فعلية، وبقي معمولا به حتى مع سيطرة التحالف على مقاليد الأمور طيلة عهد أبي بكر، ولكن حينما تسلم عمر مقاليد الأمور رأى أن سنة الرسول هذه ليست مناسبة، فلا يعقل أن تكون قريش كالأنصار، والعرب كالعجم، والصرحاء كالموالي، ومن هنا ألغى التسوية في التوزيع، وفضل العرب على العجم، والمهاجرين على الأنصار، والصرحاء على الموالي، مخالفا بذلك سنة رسول الله عن علم وعمد.
وكانت نتيجة عمله هذا أنه غرس بذور الطبقية في المجتمع المسلم، وأشعل نار الصراع القبلي بين ربيعة ومضر، والأوس والخزرج، والعرب والعجم، والصرحاء والموالي (47).
نجح عمر بإلغاء سنة الرسول صلى الله عليه وآله وإحلال سنته الشخصية محلها، لكنه اكتشف بعد تسع سنين أن رسول الله أهدى من عمر، بعد أن شاهد بعض الآثار المدمرة لسنته التي فرضها بالقوة، وأعلن عزمه على الرجوع إلى سنة رسول الله، فقال: " إن عشت هذه السنة ساويت بين الناس، فلم أفضل أحمر على أسود، ولا عربيا على أعجمي، وصنعت كما صنع رسول الله وأبو بكر " (48).
وعلى الرغم من ندم عمر واعترافه بخطئه، فإنهم أخذوا بعد مماته يلتمسون له أعذارا عجيبة لا يقرها أي عقل، كقول القوشجي: " إن ذلك ليس مما يوجب قدحا فيه، فإنه من مخالفة المجتهد لغيره في المسائل الاجتهادية " (49)، أي أنه لا حرج على عمر في مخالفة رسول، لأن كليهما مجتهد.
واعتذر ابن أبي الحديد عن تخلف أبو بكر وعمر عن جيش أسامة بأن
(٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 ... » »»