الشائعتان الثامنة والتاسعة: أن الرسول صلى الله عليه وآله لم يستخلف أحدا، وإنما خلى على الناس أمرهم، وأن الرسول لم يجمع القرآن، وإنما جمعه الخلفاء الثلاثة.
ومفاد الشائعة الأولى أن رسول الله لم يستخلف من بعده أحدا، لا عليا ولا غيره، بل ترك أمته بلا قائد ولا راع، ولم يبين لها كيف تختار ولا من تختار، فجاء الخلفاء الثلاثة ورتبوا أمر القيادة، وتلافوا بعبقريتهم الفذة ما أغفله النبي على الصعيد القيادي.
وأما على الصعيد القانوني، فمفاد الإشاعة الثانية أن الرسول انتقل إلى جوار ربه وترك القرآن في صدور الرجال ولم يجمعه، فخشي الخلفاء الثلاثة أن يضيع القرآن بعد أن يقتل حفظته أو يموتوا، فشمروا عن سواعد الجد، وجمعوا القرآن، ولولا بعد نظر أولئك الخلفاء لضاع القرآن واندثر، وبهذا يكون الخلفاء الثلاثة قد تلافوا ما أغفله النبي، وحفظوا للأمة قرآنها.
أما الإشاعة الأولى فأول من أطلقها أبو بكر، قال: " إن الله بعث محمدا نبيا... حتى اختار الله له ما عنده، فخلى على الناس أمرهن ليختاروا لأنفسهم ما فيه مصلحتهم... فاختاروني عليهم وليا ولأمورهم راعيا " (57) وقال أبو بكر في مرضه الذي توفي منه: " وودت أني سألت رسول الله لمن هذا الأمر فلا ينازعه فيه أحد " (58)، فأبو بكر يؤكد هنا صحة هذه الشائعة.
وأما ثاني من أطلق شائعة ترك الأمة بلا راع فهو عمر بن الخطاب، فقد قال لابنه في مرض الوفاة: " إن لم استخلف، فإن رسول الله لم يستخلف، وإن أستخلف فقد استخلف أبو بكر " (59).
فعمر يؤكد بكلامه هذا أن الرسول لم يستخلف، وفي الوقت نفسه يجعل فعل أبي بكر سنة كسنة النبي صلى الله عليه وآله، ويعطي نفسه صلاحية اتباع أي من السنتين، ولم يفرق بينهما!