المؤكد أن عثمان كان شريكهما بهذا النهي، فهو من رجال عمر المقتنعين بنظرياته، وهو أموي وتره الهاشميون بأقاربه، وهؤلاء الثلاثة لم يكونوا موضع شك واتهام، فكلهم مهاجر، وكلهم صهر لرسول الله صلى الله عليه وآله.
والدليل على صدور النهي عن هؤلاء الثلاثة، وإن الإشاعة قد انطلقت منهم:
أولا - لما آلت الخلافة لأبي بكر كان أول ما فعله أن جمع الأحاديث التي كتبها هو شخصيا وأحرقها، وقد روت ذلك ابنته عائشة (30)، ثم عمد ثانيا إلى أن جمع الناس وقال لهم: " إنكم تحدثون عن رسول الله أحاديث تختلفون فيها، والناس بعدكم أشد اختلافا، فلا تحدثوا عن رسول الله شيئا، فمن سألكم فقولوا:
بيننا وبينكم كتاب الله " (31)، فهذا الموقف المعلن من أبي بكر يكشف عن حساسيته المفرطة من أحاديث النبي صلى الله عليه وآله وأنه أحد الذين نهوا ابن عمرو عن كتابتها ثانيا - لما آلت الخلافة لعمر، كان أول مشاريعه أن طلب من الناس أن يأتوه بما كتبوه من أحاديث النبي صلى الله عليه وآله، فظن الناس أنه يريد جمع أحاديث الرسول، فأتوه بها، فأمر بإحراقها كلها (32)، وأما مشروعه الثاني فهو فرضه الإقامة الجبرية على رواة الأحاديث وحبسهم في المدينة، لكي لا يقوموا ببث الحديث في الآفاق، فقد روي " أنه ما مات عمر حتى بعث إلى أصحاب رسول الله فجمعهم من الآفاق:
عبد الله بن حذيفة، وأبا الدرداء، وأبا ذر، وعقبة بن عامر، وقال لهم: ما هذه الأحاديث التي أفشيتم عن رسول الله في الآفاق؟ قالوا: أتنهانا؟ قال: لا، أقيموا عندي، لا والله لا تفارقوني ما عشت " (33).
ولقد قام عمر بحبس ثلاثة أشخاص بتهمة أنهم أكثروا الحديث عن رسول الله (34)، ونهي جيوشه عن التحديث عن رسول الله (35).
فهذه السياسية الصارمة تجاه رواية الحديث وحرق المكتوب منه، تدل على ما