لقد سمع أهل الدنيا بأنباء مذبحة كربلاء، وكيف أن الخليفة جهز جيشا ضخما لحرب رجل واحد هو الحسين بن الرسول، ومعه أهل بيته وموالوه، وكيف قتلهم شر قتله، وأمر أن تداس جثثهم بسنابك الخيل، وأخذ بنات النبي سبايا يدار بهن من بلد إلى بلد، فمرغ الخليفة بذلك شرف العسكرية الإسلامية بالوحل، وظهر على حقيقته سفاكا ومجرما لا خلاق له.
وقد صدمت مجزرة كربلاء ضمير الأمة وأيقظته، وهزت كيانها من الأعماق، فاستفاقت من رقدتها، لتجالد عدوها، وأحيت فيها روح التضحية والفداء، وتمخض عن ذلك ثورات متلاحقة على الظالمين، منها: ثورة التوابين (69)، وثورة أهل المدينة (70)، وثورة المطرف بن المغيرة (71)، وثورة ابن الأشعث، وثورة زيد بن علي (72).
3 - مواجهة التسعة المعصومين من أبناء الحسين.
أولا - الإمام علي بن الحسين زين العابدين.
عندما ولد علي بن الحسين، سجد الإمام علي شكرا لله، وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله قوله: " أنا وعلي والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهرون معصومون " (73).
تربى الإمام زين العابدين في مدرسة الرسالة والنبوة، وانتهى إليه علم النبوة كله، وتوفرت فيه كل صفات الأئمة، فكان الأعلم والأفهم بالدين، والأكثر إحاطة بسنة سيد المرسلين، والأقرب لرسول الله، والأصلح من أهل زمانه.
انتقلت إليه الإمامة بعد شهادة أبيه الحسين، وقد شهد مذبحة كربلاء، وكان مريضا لا يقوى على الحركة، ورافق السبايا من بنات الرسول إلى دمشق، ثم عاد إلى المدينة، وقلبه الشريف مثخن بالجراح النازفة، وحزنه على أبيه وأهل بيته يجري في عروقه جريان الدم، لقد بكى عليهم عشرين عاما، فما وضع بين يديه طعام حتى بكى، قال له أحد مواليه يوما: أما آن لحزنك أن ينقضي؟ فأجابه الإمام: ويحك، إن