وهم يعلمون أن مع الحسين أطفالا رضعا ونساء وصغارا بحاجة إلى الماء، فقاسى الحسين ومن معه من حر الصحراء اللافح، ومن العطش الشديد، وفي هذا الجو الأليم نشب القتال غير المتكافئ.
وانتهت الغارة بإبادة أهل البيت، ولم يبق منهم غير الإمام علي بن الحسين الذي كان مريضا لا يقوى على الحركة والقتال، وقطعت رؤوس القتلى، وحملت إلى يزيد على رؤوس الرماح، واقتيدت بنات الرسول سبايا إلى يزيد بن معاوية، ليقضي فيهن بأمره.
وكان الأثر العظيم لشهادة الإمام الحسين وأهل بيته وأصحابه، هو فضح الخليفة ونظامه، وإيقاظ ضمير الأمة، ذلك أن وسائل إعلام دولة الخلافة التاريخية كرست كل جهودها وطاقاتها لإقناع الناس بأن الخليفة إنسان مقدس، بل بالغت في ذلك حتى أشاعت بين الناس أن الخليفة أعظم من الرسول نفسه، وأن أمر السماوات والأرض قائم على نظام الخليفة والخلافة، وأن من عادى الخليفة صار كافرا، ومن والاه صار مؤمنا (67)، وأنه يجب على المسلمين إطاعة الخليفة عصى الله أم أطاعه، عمل بالعدل أو مارس الظلم والجور، فسق أو استقام، أعمل الحدود أم عطلها، فهو حر يعصي الله لحكمة، ويعطل الحدود لحكمة، ويمارس الجور لحكمة، ويقتل النفس التي حرم الله لحكمة، ويغصب الأموال لحكمة، فلا يجوز الخروج عليه مهما فعل، وتجب طاعته على كال حال (68).
وكادت الأمة أن تصدق أن نظام الخلافة التاريخي هو نظام الإسلام، وأن الخليفة التاريخي هو صفوة الأمة، وهو أهل للقداسة، فجاءت ثورة الحسين، ومذبحة كربلاء، لتفضح كل هذا الزيف، وتظهر الخليفة على حقيقته البشعة، وتعري نظام الخلافة وتكشف عن صورته المخالفة للدين والعقل.