الشام رمزا للموت، وكان الاتكال على المجهول أمل الناس الوحيد.
كانت تلك هي حال الخلافة وحال الأمة عندما فرض على الحسين أن يقود المواجهة.
وكان الحسين وأهل بيت النبوة يعلمون جيدا أن عليهم في وقت يطول أو يقصر أن يبايعوا يزيد أو يموتوا، إذ كانوا على علم بتاريخ الخلافة وأسلوبها القمعي، فمن أجل البيعة، وبعد يوم واحد من وفاة النبي، أحضر أولياء أبي بكر الحطب والنار، ليحرقوا آل محمد، لأنهم رفضوا البيعة وقالوا، نحن أحق بالخلافة، ولأجل ذلك قال الحسين: " وأيم الله لو كنت في جحر هامة * من هذه الهوام، لاستخرجوني حتى يقضوا في حاجتهم " (64)، وقال أيضا: " والله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي، فإن فعلوا سلط الله عليهم من يذلهم، حتى يكونوا أذل من فرم * * " (65).
إن خيارات الحسين وأهل البيت كانت محددة تماما، فأما أن يبايعوا عدو الله وهم أذلة، وأما أن يتعرضوا للقتل.
من يعرف طبيعة الإمام الحسين، وطبيعة أهل البيت يتيقن أن مبايعتهم ليزيد بن معاوية مستحيلة، ذلك أن الذين يرضون بالذل والهوان هم الذين يخشون الموت، فلأجل النجاة من الموت يعطون الدنية وهم سعداء، وليس الحسين وأهل البيت من هذا النمط، بل إن الموت عندهم فوز وسعادة، وقد صرح الحسين بذلك علنا إذ قال: " إلا ترون إلى الحق لا يعمل به، وإلى الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء ربه محقا، فإني لا أرى الموت إلا