يعقوب النبي كان له اثنا عشر ابنا، فغيب الله واحدا منهم، فابيضت عيناه من كثرة بكائه عليه، واحدودب ظهره من الغم، وكان ابنه حيا في الدنيا، وأنا نظرت إلى أبي وأخي وسبعة عشر من أهل بيتي مقتولين، فكيف ينقضي حزني (74).
لم تكن ظروف الإمام زين العابدين تمكنه من المواجهة العسكرية للظالمين، فاتخذ من الدعاء وسيلة لتربية الأمة روحيا وعقائديا، فإذا جاءه مشهد هداه، وإذا استعلمه متعلم علمه، وإن أتيحت له فرصة قرع الناس الذين خذلوا أباه.
طبقت سمعة الإمام الآفاق، وملأت أخباره الأسماع والقلوب، وقصده طلاب العلم لينهلوا من علم النبوة، فانتشر علمه، وتخرج على يديه كوادر علمية من شيعة أهل بيت النبوة، ساهمت بترسيخ عدالة قضية أهل البيت وارتباطها الوثيق بدين الإسلام.
ولما خرج عبد الله بن الزبير على الأمويين، واستولى على الحجاز فترة، وكان يحقد على آل محمد، أراد أن يستأصلهم من الوجود، فأحضر بني هاشم، وجمع حطبا، وصمم على أن يحرقهم جميعا أحياء، ولولا نجدة جاءتهم لأحرقهم فعلا، وأثناء تسلطه على الحجاز عكر صفو آل محمد عامة، والإمام زين العابدين خاصة، ولو استتب الحكم له لنكل بأهل بيت النبوة، ولكن الأمويين هزموه.
ولما انتصر الأمويون هالتهم المكانة التي يحتلها الإمام زين العابدين من قلوب الناس، فأوجسوا منه خيفة، وتأججت نيران حقدهم عليه، فدس له الحاكم الأموي سليمان بن عبد الملك السم، فقتله، وبذلك انتهت حياة هذا الإمام، الذي أثار عواطف المسلمين بحزنه العظيم، وأدعيته المباركة، وعلمه النافع، وخلق فيهم إحساسا عميقا بالذنب، وشعورا فائقا بالإثم، ونبههم إلى الظلم الفظيع الذي لحق بأهل بيت النبوة.