لقد اعتزل الإمام علي (ع) الخلفاء، ولم يشاركهم في المعارك. بعد أن كان هو قائدها على عهد رسول الله (ص) وذلك كله إعرابا عن موقفه الرافض لشرعيتهم. وكان لا يتدخل إلا فيما أشكل على الناس من قضايا، يرمي من خلالها إلى الحفاظ على الحد الأدنى من الشريعة، كما يرمي من خلالها إلى إقامة الحجة على الناس وإظهار عدم أعلمية الخلفاء.
وكان (ع) لا يألوا جهدا إلا وصرفه في طريق الهدم لواقع الاغتصاب، وعند ما، يستشيره أحدهم في أمر لا علاقة له بالأحكام في أمور الرعية، كان يشير عليه بما يؤدي إلى الموت والهلاك. ففي معركة القادسية أشار على عمر بن الخطاب عندما استشاره هذا الأخير، بالمشاركة مع الجيش فنصحوه بعدم فعل ذلك خوفا عليه من الموت.
ذكر المسعودي لما قتل أبو عبيدة الثقفي بالجسر شق ذلك على عمر وعلى المسلمين، فخطب عمر الناس وحثهم على الجهاد، وأمرهم بالتأهب لأرض العراق، وعسكر عمر وهو يريد الشخوص. وقد استعمل على مقدمته طلحة بن عبيد الله وعلى ميمنته الزبير بن العوام وعلى ميسرته عبد الرحمن بن عوف. ودعا الناس فاستشارهم فأشاروا عليه بالمسير، ثم قال لعلي: ما ترى يا أبا الحسن:
أسير أم أبعث؟.
قال: سر بنفسك فإنه أهيب للعدو وأرهب له، فخرج من عنده فدعا العباس في جلة من مشيخة قريش وشاورهم فقالوا: أقم وابعث غيرك ليكون للمسلمين إن انهزموا فئة فدخل إليه عبد الرحمن بن عوف فاستشاره فقال: إن انهزم جيشك فليس ذلك كهزيمتك وإنك إن تهزم أو تقتل يكفر المسلمون ولا يشهدوا أن لا إله إلا الله أبدا قال: أشر علي من أبعث؟ قال قلت: سعد بن أبي وقاص، قال عمر: أعلم أن سعدا رجل شجاع ولكني أخشى أن لا يكون له معرفة بتدبير الحرب ثم خرج فدخل عثمان عليه فقال له: يا أبا عبد الله أشر علي أسير أم أقيم؟ فقال عثمان أقم يا أمير المؤمنين وابعث بالجيوش فإنه لا آمن إن أتى عليك آت أن ترجع العرب عن الإسلام، ولكن ابعث الجيوش وداركها بعضها على بعض وابعث رجلا له تجربة بالحرب.