والقرآن يتحدث عن الصحابة بكل واقعية، ويستخدم عبارات تدل على أن الصحبة ليست ميزة في ذاتها، بقدر ما هي مرهونة بما يقدمه الصحابي من عمل صالح، يقول تعالى:
" محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم، تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ".
فكلمة " منهم " تعبير عن اختصاص فئة معينة بالمغفرة والأجر العظيم. ليس ذلك لقاء تمحورهم وصحبتهم للرسول (ص) وإنما لقاء إيمانهم وعملهم الصالح.
" وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما ".
وبمقتفى المفهوم بالمخالفة، يبقى منهم من ليسوا من أهل الإيمان ولا من أصحاب العمل الصالح. وعلى ذلك الأساس يحرمون المغفرة والأجر العظيم.
وكان هذا هو شأن أهل بيعة الرضوان الذين قال فيهم تعالى:
" لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا ".
فإن تخصيص فئة منهم بالثواب أمرا اقتضاه الواقع من حالهم. إذ هناك من حضر بيعة الرضوان وهو ليس من ذاك المقام. بل هناك من عرف بالنفاق. وقد حضر بيعة الرضوان فيمن حضرها عبد الله بن أبي رأس النفاق، وأوس بن خولي. فكونهم من أهل بيعة الرضوان يستبطن مغزى عميقا، لا بد من البحث عنه وراء منطوق الآية الكريمة. فالبيعة وحدها لا تكفي للحكم على أصحابها.
فعنصر الزمن الذي يعكس مدى صدق هذه البيعة من خلال استمرارية أصحابها عليها أم تراجعهم عنها. فقيمة البيعة هي في مدى الالتزام بشروطها كلها، وتنحل تلك القيمة مع خروج أصحابها عليها. وكثير ممن حضر بيعة الرضوان لم يلتزم بتلك الشروط كما سنرى.
وكان ذلك متوقفا على مدى صبره واستمرارهم عليه. وقد سمعوا ذلك من الرسول (ص) إذ قال لهم: " إني فرطكم على الحوض من مر علي شرب وشرب لم يظمأ أبدا، ليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفونني ثم يحال بيني وبينهم فأقول أصحابي