" إن المنافقين اليوم أشرس على عهد رسول الله (ص) كانوا يومئذ يسرون واليوم يجهرون ".
كل هذه القرائن تثبت أهمية الموقف، وخطورة الظرف الذي سبق وفاة الرسول الأعظم (ص).
لقد كان هناك أيضا كثيرا من الأمور تقتضي حلا شافيا قبل وفاة الرسول (ص). فالمسلمون قادمون على محاربة الروم وفارس. أمامهم بلاد كثيرة لم تفتح... وفي الداخل هناك حركة النفاق المنتشرة والمتوزعة على المناطق، وذات نفوذ كبير.. والدعوة إلى الله شأن بدأ يعرف هو الآخر نوعا من الصعوبة والتعقيد.. فالأيام التي يستقبلها المسلمون تتطلب منهم منهجا جديدا ودقيقا في الدعوة. إذ أنهم سوف ينفتحون على ديانات وفلسفات لم يكن للعرب سابق عهد بها. ولم يكن أحدهم متمرسا على ضروب المحاججات الكلامية والفلسفية. لقد كان الرسول (ص) هو الوحيد الذي تزعم حركة الاحتجاج على أهل الديانات.
فمن هو هذا الذي أوتي علم الأولين والآخرين ليتصدى لهذه التيارات الدينية وغير الدينية، بلغة العلم ومنطق الجدل وفكرة الوحي؟!.
وهل كان في نية الرسول (ص) أن يترك أمته لتقع على قراءة اساغوجي فورفوريوس، أو ميتافيزقا أرسطو. حتى تتعلم منطق الدفاع عن دينها، وإفحام الخصم والانتصار للعقيدة. بما يعزز إيمان الناس ويزلزل قلوب المناوئين. فلا بد للعلم النبوي أن يجد طريقه إلى خلف معين، تقم تربيته وإنشاءه لهذا الدور الخطير. ولهذا كانت فترة موت الرسول (ص) على جانب من الخطورة. ولحظة حرجة فيما لو أمعنا النظر فيها. إنها اللحظة التي ينتظر فيها الإنسان انفلات الروح من إنسان عزيز. واللحظة التي تضحى فيها الوصية أنفس من الدنيا عند المحيطين به.
لحظة وفاة الرسول وكانت جديرة بأن تشد أنظار القوم إلى الرسول (ص) وتنسيهم أنفسهم، بل التصارع على الخلافة. كانت تلك المصيبة الكبرى جديرة بأن تنسيهم الدنيا لبضعة أيام.