المسلمين وبث الشبهة في أذهانهم وإشغالهم بذلك ربما للوقت ولا يعنينا ما رامه ابن أبي الحديد من أن ذلك كان بمقتضى المصلحة في حراسة الدين والدولة.
وذكر الشهرستاني قول عمر بن الخطاب (47): كنت أزور في نفسي كلاما في الطريق: فلما وصلنا إلى السقيفة أردت أن أتكلم فقال أبو بكر: مه يا عمر، فحمد الله وأثنى عليه، وذكر ما كنت أقدره في نفسي؟ كأنه يخبر عن غيب، فقبل أن يشتغل الأنصار بالكلام مددت يدي إليه فبايعته وسكنت الفتنة، إلا أن بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى الله شرها، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه ".
وفي نص البخاري، قال عمر: " فأردت أن أتكلم فقال أبو بكر على رسلك فتكلم هو، والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلا قال مثلها أو أفضل (48) ".
إذا هناك تدبير مسبق حاول عمر أن يعزوه إلى الاتفاق لإبعاد تهمة التآمر عليه.
ذلك التآمر الذي كشف عنه الإمام علي (ع) عندما قال له: إحلب حلبا لك شطره.
وقال: لشد ما تشطرا ضرعيها (49) فهناك إذن تزوير، وهناك موافقة من أبي بكر. وهذا أمر لا تنطلي خلفيته على اللبيب!.
ثم لنعد إلى ما اعتمده ابن خلدون من رواية. لنرى هل ما قاله عمر في السقيفة هو كما ذهب إليه؟!.
أورد ابن خلدون نصا لا يوافق نصوص المؤرخين والمحدثين الذين اعتمدهم ووثق رواياتهم، فعمر بن الخطاب لم تكن له كلمة في السقيفة على نحو هادئ يثير العقل ويحرك الحوار.
بل كان - كدأبه - فظا غليظ القلب، وحسبك ما جرى بينه والحباب بن المنذر، وسعد بن عبادة من مشادات كلامية، وصل بعضها إلى العراك والهم بامتشاق السيوف.