باقر العلم لأهل التقى * وخير من لبى على الأجل (1).
ويقول المحدث الفقيه ابن حجر الهيثمي في صواعقه: أبو جعفر محمد الباقر، سمي بذلك: من بقر الأرض، أي شقها وأثار مخبآتها ومكامنها، فلذلك هو أظهر من مخبآت كنوز المعارف، وحقائق الأحكام والحكم واللطائف، ما لا يخفى إلا على منطمس البصيرة، أو فاسد الطوية والسريرة، ومن ثم قيل فيه:
هو باقر العلم وجامعه، وشاهر علمه ورافعه، صفا قلبه: وزكا علمه وعمله، وطهرت نفسه، وشرف خلقه، وعمرت أوقاته بطاعة الله، وله من الرسوم في مقامات العارفين، ما تكل عنه ألسنة الواصفين، وله كلمات كثيرة في السلوك والمعارف لا تحتملها هذه العجالة.
وكفاه شرفا، أن ابن المديني روى عن جابر، أنه قال له - وهو صغير - " رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يسلم عليك، فقيل له: وكيف ذاك؟ قال: كنت جالسا عنده - والحسين في حجره، وهو يداعبه - فقال: يا جابر، يولد له مولود اسمه علي، إذا كان يوم القيامة نادى مناد: ليقم سيد العابدين، فيقوم ولده، ثم يولد له ولد اسمه محمد، فإن أدركته يا جابر، فأقرئه مني السلام (2).
ويقول أبو زهرة (3): ورث الباقر إمامة العلم، ونبل الهداية، عن أبيه زين العابدين، ولذا كان مقصد العلماء من كل البلاد الإسلامية، وما زار أحد المدينة، إلا عرج على بيت محمد الباقر يأخذ عنه، وكان ممن يزوره علماء من الذين يتشيعون لآل البيت، وعلماء من أهل السنة، وكان يقصده بعض المنحرفين الغلاة في تشيعهم الذين أفرطوا، فكان يبين لهم الحق، فإن اهتدوا أخذ بيدهم إلى الحق الكامل، وإن استمروا على غيهم صدهم، وأخرجهم من مجلسه.