الثقافة الروحية في إنجيل برنابا - محمود علي قراعة - الصفحة ٦٣
(6) ذم الكبرياء في الإنسان:
الحمد لله الذي لبس العز والكبرياء (1)، واختارهما لنفسه دون خلقه وجعلهما حمى وحرما على غيره، واصطفاهما لجلاله، وجعل اللعنة على من نازعه فيهما من عباده، ثم اختبر بذلك ملائكته المقربين، ليميز المتواضعين منهم من المستكبرين، فقال سبحانه، وهو العالم بمضمرات القلوب ومحجوبات الغيوب " إني خالق بشرا من طين، فإذا سويته، ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين، فسجد الملائكة كلهم أجمعون، إلا إبليس "، اعترضته الحمية، فافتخر على آدم بخلقه وتعصب عليه لأصله، فعدو الله إمام المتعصبين وسلف المستكبرين، الذي وضع أساس العصبية، ونازع الله رداء الجبرية، وادرع لباس التعزز، وخلع قناع التذلل!
ألا ترون كيف صغره الله بتكبيره، ووضعه الله بترفعه، فجعله في الدنيا مدحورا، وأعد له في الآخرة سعيرا، ولو أراد الله أن يخلق آدم من نور يخطف الأبصار ضياؤه، ويبهر العقول دواؤه، وطيب يأخذ الإنسان عرفه، لفعل، ولو فعل، لظلت له الأعناق خاضعة، ولخفت البلوى فيه على الملائكة، ولكن الله سبحانه، ابتلى خلقه ببعض ما يجهلون أصله، تمييزا بالاختبار لهم، ونفيا للاستكبار عنهم، وإبعادا للخيلاء منهم، فاعتبروا بما كان من فعل الله بإبليس إذ أحبط عمله الطويل وجهده الجهيد، وكان قد عبد الله ستة آلاف

(١) من خطبة لعلي بن أبي طالب عليه السلام تسمى القاصعة، من قصع فلان فلانا أي حقره، لأنه حقر فيها حال المتكبرين، أو من قصع الماء عطشه إذا أزاله، لأن سامعها لو كان متكبرا، ذهب تأثيرها بكبره كما يذهب الماء بالعطش! وقال وقد لقيه عند مسيره إلى الشام دهاقين الأنبار (زعماء فلاحي العجم في العراق)، فترجلوا له واشتدوا بين يديه " ما هذا الذي صنعتموه؟ "، فقالوا " خلق منا، نعظم به أمراءنا "، فقال " والله ما ينتفع بهذا أمراؤكم، وإنكم لتشقون على أنفسكم في دنياكم، وتشقون به في آخرتكم، وما أخسر المشقة وراءها العقاب وأربح الدعة معها الأمان من النار ". راجع ص ١٥٢ من نهج البلاغة ج ٢.
(٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 ... » »»