الثقافة الروحية في إنجيل برنابا - محمود علي قراعة - الصفحة ٥٨
أما كون الإنسان حرا، فواضح من كتاب موسى، لأن إلهنا عندما أعطى الشريعة على جبل سينا، قال هكذا " ليست وصيتي في السماء لكي تتخذ عذرا لك قائلا من يذهب ليحضر لنا وصية الله؟ ومن يا ترى يعطينا قوة لنحفظها؟ ولا هي وراء البحر، لكي نعد نفسك كما تقدم، بل وصيتي قريبة من قلبك، حتى أنك تحفظها متى شئت ".. حينئذ تنهد يسوع وقال " أيها الإخوة! ما هذه إلا ثمار التقاليد البشرية، لأنه بقولهما إن الله قدر فقضى على المنبوذ بطريقة لا يمكنه معها أن يصير مختارا، يجدفون على الله.. لأنه يأمر الخاطئ أن لا يخطئ وإذا أخطأ أن يتوب، على أن هذا القدر ينزع من الخاطئ القدرة على ترك الخطيئة، فيسلبه التوبة بالمرة! ولكن اسمعوا ما يقول الله على لسان يوئيل النبي " لعمري يقول إلهكم: لا أريد موت الخاطئ، بل أود أن يتحول إلى التوبة "، أيقدر الله إذا ما لا يريده؟.. يقول الله أيضا على لسان النبي أشعيا " دعوت فلم تصغوا إلى " وما أكثر ما دعا الله، اسمعوا ما يقول على لسان هذا النبي نفسه " بسطت يدي طول النهار إلى شعب لا يصدقني بل يناقضني "! فإذا قال الفريسيون إن المنبوذ لا يقدر أن يصير مختارا، فهل يقولون سوى أن الله يستهزئ بالبشر، كما لو استهزأ بأعمى يريه شيئا أبيض، وكما لو استهزأ بأصم يكلم في أذنيه " أما كون المختار يمكن أن ينبذ، فتأملوا ما يقول إلهنا على لسان حزقيال النبي " يقول الله لعمري إذا رجع البار عن بره وارتكب الفواحش، فإنه يهلك، ولا أذكر فيما بعد شيئا عن بره فإن بره سيخذله أمامي، فلا ينجيه وهو متكل عليه "! أما نداء المنبوذين، فماذا يقول الله فيه على لسان هوشع سوى هذا " إني أدعو شعبا غير مختار، فأدعوهم مختارين " إن الله صادق... وهو الحق يقول الحق... ولكن كيف يجب أن يفهم ما قال الله لموسى من أنه يرحم من يرحم ويقسي من يقسي؟.
أجاب يسوع " إنما يقول الله هذا، لكيلا يعتقد الإنسان أنه خلق بفضيلته، بل ليدرك أن الحياة ورحمة الله، قد منحهما له الله من جوده،
(٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 ... » »»