ويقوله ليتجنب البشر الذهاب إلى أنه يوجد آلهة أخرى سواه، فإذا هو قسى فرعون، فإنما فعله لأنه نكل بشعبنا وحاول أن يبغي عليه بإبادة الأطفال الذكور من إسرائيل، حتى كاد موسى يخسر حياته! وعليه أقول لكم حقا إن أساس القدر إنما هو شريعة الله وحرية الإرادة البشرية، بل لو قدر الله أن يخلص العالم كله حتى لا يهلك أحد، لما أراد أن يفعل ذلك، لكيلا يجرد الإنسان من الحرية التي يحفظها له ليكيد الشيطان، حتى يكون لهذه الطينة..
وإن أخطأت قدرة على التوبة.. إن إلهنا يريد أن يتبع برحمته حرية إرادة الإنسان، ولا يريد أن يترك بقدرته غير المتناهية المخلوق، وهكذا لا يقدر أحد في يوم الدين أن يعتذر عن خطاياه، لأنه يتضح حينئذ كم فعل الله لتجديده، وكم قد دعاه إلى التوبة!.
وعليه فإذا كانت أفكاركم لا تطمئن لهذا، ووددتم أن تقولوا أيضا " لماذا هكذا " فإني أوضح لكم لماذا، وهو هذا: قولوا لي لماذا لا يمكن الحجر أن يستقر على سطح الماء، مع أن الأرض برمتها مستقرة على سطح الماء؟ قولوا لي لماذا كان التراب والهواء والماء والنار متحدة بالإنسان ومحفوظة على وفاق؟
مع أن الماء يطفئ النار، والتراب يهرب من الهواء، حتى أنه لا يقدر أحد أن يؤلف بينها! فإذا كنتم لا تفقهون هذا، بل إن كل البشر من حيث هم بشر لا يقدرون أن يفقهوه - فكيف يفقهون أن الله خلق الكون من لا شئ بكلمة واحدة؟ كيف يفقهون أزلية الله؟ حقا لا يتاح لهم أبدا أن يفقهوا هذا، لأنه لما كان الإنسان محدودا ويدخل في تركيبه الجسد الذي هو كما يقول النبي سليمان قابل للفساد يضغط النفس - ولما كانت أعمال الله مناسبة لله، فكيف يمكن للإنسان إدراكها؟ فلما رأى أشعيا نبي الله هذا، صرخ قائلا:
" حقا إنك لإله محتجب " ويقول عن رسول الله كيف خلقه الله " أما جيله فمن يصفه "! ويقول عن عمل الله " من كان مشيره فيه " لذلك يقول الله للطبيعة البشرية " كما تعلو السماء عن الأرض، هكذا تعلو طرقي عن طرقكم وأفكاري عن أفكاركم "! لذلك أقول لكم إن كيفية القدر غير واضحة للإنسان