الثقافة الروحية في إنجيل برنابا - محمود علي قراعة - الصفحة ٦٤
سنة، لا يدرى أمن سني الدنيا أم سني الآخرة، عن كبر ساعة واحدة، فمن بعد إبليس يسلم على الله بمثل معصيته، كلا ما كان الله سبحانه، ليدخل الجنة بشرا بأمر أخرج به منها ملكا، إن حكمه في أهل السماء وأهل الأرض لواحد، وما بين الله وبين أحد من خلقه هوادة في إباحة حمى حرمه على العالمين، فاحذروا عباد الله أن يعديكم بدائه، وأن يستفزكم بندائه، وأن يجلب عليكم بخيله ورجله، فلعمري لقد فوق لكم سهم الوعيد، وأغرق لكم بالنزع الشديد، ورماكم من مكان قريب، وقال رب " بما أغويتني، لأزينن لهم في الأرض، ولأغوينهم أجمعين "، قذفا بغيب بعيد ورجما بظن مصيب!
فاطفئوا ما كان في قلوبكم من نيران العصبية وأحقاد الجاهلية، فإنما تلك الحمية تكون في المسلم من خطرات الشيطان ونخواته ونزغاته ونفثاته، واتخذوا التواضع مسلحة بينكم وبين عدوكم إبليس وجنوده، فإن له من كل أمة جنودا وأعوانا ورجالا وفرسانا، ولا تكونوا كالمتكبر على ابن أمه من غير ما فضل جعله الله فيه، سوى ما ألحقت العظمة بنفسه من عداوة الحسد، وقدحت الحمية في قلبه من نار الغضب، ونفخ الشيطان في أنفه من ريح الكبر الذي أعقبه الله به الندامة وألزمه آثام القاتلين إلى يوم القيامة!
فاعتبروا بما أصاب الأمم المستكبرين من قبلكم من بأس الله وصولاته ووقائعه ومثلاته، واتعظوا بمثاوي خدودهم ومصارع جنوبهم واستعيذوا بالله من لواقح الكبر، كما تستعيذون من طوارق الدهر، فلو رخص الله في الكبر لأحد من عباده، لرخص فيه لخاصة أنبيائه وأوليائه، ولكنه سبحانه، كره إليهم التكابر ورضي لهم التواضع، فألصقوا بالأرض خدودهم وعفروا في التراب وجوههم، وخفضوا أجنحتهم للمؤمنين، وكانوا قوما مستضعفين، وقد اختبرهم الله بالمخمصة، وابتلاهم بالمجهدة وامتحنهم بالمخارف ومخضهم بالمكاره، فلا تعتبروا الرضا والسخط بالمال والولد (1)، جهلا بمواقع الفتنة والاختبار في مواضع

(1) أي كما قال الإمام محمد عبدة " لا تجعلوا كثرة الأولاد ووفرة الأموال، دليلا على رضاء الله، والنقص فيهما دليلا على سخطه، فقد يكون الأول فتنة واستدراجا، والثاني محنة وابتلاء! ".
(٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 ... » »»