الثقافة الروحية في إنجيل برنابا - محمود علي قراعة - الصفحة ٦٦
وولده أن يثنوا أعطافهم نحوه، فصار مثابة لمنتجع أسفارهم وغاية لملقى رحالهم، تهوى إليه ثمار الأفئدة، من مفاوز قفار سحيفة ومهاوي فجاج عميقة وجزائر بحار منقطعة، حتى يهزوا مناكبهم ذللا، يهلون لله حوله، ويرملون على أقدامهم، شعثا غبرا له، قد نبذوا السرابيل وراء ظهورهم، وشوهوا بإعفاء الشعور محاسن خلقهم، ابتلاء عظيما وامتحانا شديدا واختبارا مبينا وتمحيصا بليغا، جعله الله سببا لرحمته ووصلة إلى جنته، ولو أراد سبحانه أن يضع بيته الحرام ومشاعره العظام بين جنات وأنهار وسهل وقرار، جم الأشجار، داني الثمار، بين برة سمراء وروضة خضراء ورياض ناضرة وطرق عامرة، لكان قد صغر الجزاء على حسب ضعف البلاء، ولو كان الأساس المحمول عليها، والأحجار المرفوع بها، بين زمردة خضراء وياقوتة حمراء ونور وضياء، لخفف ذلك مسارعة الشك في الصدور ولوضع مجاهدة إبليس عن القلوب، ولنفى معتلج الريب من الناس، ولكن الله يختبر عباده بأنواع الشدائد ويتعبدهم بأنواع المجاهد ويبتليهم بضروب المكاره، إخراجا للتكبر من قلوبهم وإسكانا للتذلل في نفوسهم، وليجعل ذلك أبوابا فتحا إلى فضله وأسبابا ذللا لعفوه!.
فالله الله في عاجل البغي وآجل وخامة الظلم وسوء عاقبة الكبر، فإنها مصيدة إبليس العظمى ومكيدته الكبرى التي تساور قلوب الرجال مساورة السموم القاتلة، فما تكدي أبدا ولا تشوي أحدا، لا عالما لعلمه ولا مقلا في طمره، وعن ذلك ما حرس الله عباده المؤمنين بالصلوات والزكوات ومجاهدة الصيام في الأيام المفروضات، تسكينا لأطرافهم وتخشيعا لأبصارهم وتذليلا لنفوسهم، وتخفيضا لقلوبهم، وإذهابا للخيلاء عنهم، لما في ذلك من تعفير عتاق الوجوه بالتراب تواضعا، والتصاق كرائم الجوارح بالأرض تصاغرا، ولحوق البطون بالمتون من الصيام تذللا، مع ما في الزكاة من صرف ثمرات الأرض وغير ذلك إلى أهل المسكنة والفقر!
فإن كان لا بد من العصبية، فليكن تعصبكم لمكارم الخصال ومحامد الفعال ومحاسن الأمور التي تفاضلت فيها المجداء والنجداء بالأخلاق الرغيبة
(٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 ... » »»