(3) الإنسان مخير:
خلق الله الإنسان حرا ليعلم جود ربه وفضله، وليكون أشد حباله، ولكنه تركه حرا على طريقة تمكنه من فعل الخير ومقاومة الشر، وقد قال تعالى " ما أصابك من حسنة فمن الله، وما أصابك من سيئة فمن نفسك "، ويقول السجستاني إن معناه " ما أصابك من نعمة فمن الله، فضلا منه عليك ورحمة، وما أصابك من سيئة أي من أمر يسوءك، فمن نفسك، أي من ذنب أذنبته، فعوقبت (1) "!
ولقد جاء في الفصل الخامس والخمسين من إنجيل برنابا عن حرية الإنسان في العمل: "... دعا رئيس الكهنة سرا كاهنين شيخين، وأرسلهما إلى يسوع... فاقترب الكاهنان من يسوع وقالا " لماذا أكل الإنسان حنطة وثمرا؟ هل أراد الله أن يأكلهما، أم لا؟ " وإنما قالا ليجرباه، لأنه لو قال " إن الله أراد ذلك "، لأجابا " لماذا نهى عنها؟ "، وإذا قال " إن الله لم يرد ذلك "، يقولان " إن للإنسان قوة أعظم من الله، لأنه يعمل ضد إرادة الله "، فأجاب يسوع " إن سؤالكما (كطريق في جبل) ذو جرف عن اليمين وعن اليسار، ولكن أسير في الوسط "، فلما سمع الكاهنان ذلك تحيرا، لأنهما أدركا أن يسوع قد فهم قلبيهما. ثم قال يسوع " لما كان الإنسان محتاجا، كان يعمل كل شئ لأجل منفعته، ولكن الله الذي لا يحتاج إلى شئ، عمل بحسب مشيئته، لذلك لما خلق الإنسان، خلقه حرا، ليعلم أن ليس لله حاجة إليه... إذا قد خلق الله الإنسان حرا: لكي يكون أشد حبا لخالقه، وليعرف جوده، لأن الله وهو قادر على كل شئ، غير محتاج إلى الإنسان، فإنه إذ خلقه بقدرته على كل شئ، تركه حرا بجوده، على طريقة يمكنه معها مقاومة الشر وفعل الخير، وإن الله على قدرته على منع الخطيئة، لم يرد أن يضاد جوده - إذ ليس عند الله تضاد - فلما عملت قدرته على كل شئ وجوده عملهما في الإنسان، لم يقاوم الخطيئة في الإنسان، لكي تعمل في