الثقافة الروحية في إنجيل برنابا - محمود علي قراعة - الصفحة ٤٢
ولرجال فارس الحظوة عند خلفاء بني العباس كالبرامكة وأشياعهم، فعضدتهم الدولة العباسية، فصار رأيهم ظاهرا غالبا، وألفوا الكتب الكثيرة، وفيها ما فيها!
فانساق المتمسكون بطريقة السلف إلى الرد عليهم بقوة الدين، لا قوة الخلفاء!
ثم عظمت فتنة القول بخلق القرآن، فقال بذلك جماعة من الخلفاء، وتمسك جماعة بظاهر الكتاب وقالوا إنه قديم، وأمسك جماعة عن الخوض في هذا الكلام، يرون أن ذلك من مجاراة البدعة، وكانت هذه الفتنة سببا في إهانة أئمة الدين وكثير من رجال العلم!
وكان في تلك الأزمنة طائفة الدهريين وأهل الحلول ويسمون بالباطنية والإسماعيلية، أولوا في القرآن تأويلا، لم يأذن به الله حتى ضلوا وأضلوا، ثم جاء أبو الحسن الأشعري المتوفى سنة 330 أو ونيف، فكتب في علم التوحيد وتوسط بين السلف ومخالفيهم، وأثبت العقائد على قواعد النظر، فارتاب فريق في أمر الرجل وقال بكفره جماعة، ونصرته طائفة وسموا رأيه بمذهب أهل السنة والجماعة، فضعفت الطائفة المتمسكة بالظاهر والطائفة المبالغة، حتى لم يبق منهم بعد نحو قرنين إلا قليل يسكنون أطراف البلاد الإسلامية.
إن الذين نصروا مذهب الأشعري، أوجبوا الإيمان بما قاله من المقدمات والنتائج، ومنعوا الناس من الاستدلال بغير ما قال، وقالوا عدم الدليل يؤدي إلى عدم المدلول، ولم يتفكروا فيما وراء ذلك.
فلما جاء الغزالي والرازي وأتباعهما، قالوا ما معنى هذا الحجر وما سببه، إن الدليل الذي دون قد يكون ضعيفا عند جمهور العقلاء، وقد يكون باطلا، وليس هذا كلاما سماويا، فلا بد من الاستدلال بغيره كما أمر الله والعقل الصحيح، فهم في هذا كله يوفقون بين الدين والعقل (1)!
(12) " فاعلم أنه لو كان لربك شريك، لأتتك رسله ولرأيت آثار ملكه وسلطانه، ولعرفت أفعاله وصفاته، ولكنه إله واحد كما وصف نفسه، لا يضاده في ملكه أحد، ولا يزول أبدا ولم يزل، أول قبل الأشياء بلا أولية،

(1) راجع ص 7 - 12 من كلمة التوحيد للمرحوم الشيخ حسين والي.
(٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 ... » »»