الثقافة الروحية في إنجيل برنابا - محمود علي قراعة - الصفحة ٤٧
لا يقتصرون على طعام الحمية مجانين؟ لا البتة، بل يحزن للمرض الذي اضطر بسببه إلى الاقتصار على طعام الحمية. إنني أقول لكم إنه لا يجب على التائب أن يفاخر بصومه ويحتقر الذين لا يصومون، بل يجب عليه أن يحزن للخطيئة التي يصوم لأجلها، ولا يجب على التائب الذي يصوم أن يتناول طعاما شهيا، بل يقتصر على الطعام الخشن، أفيعطي الإنسان طعاما شهيا للكلب الذي يعض وللفرس الذي يرفس؟ لا! البتة، بل الأمر بالعكس!
" أصيخوا السمع إذا لما سأقوله لكم بشأن السهر، إنه لما كان قسمين، أي نوم الجسد ونوم النفس، وجب عليكم أن تحذروا في السهر، كي لا تنام النفس والجسد ساهر، إن هذا يكون خطأ فاحشا جدا... فإني أقول لكم حقا إن من يسهر بالجسد وينام بالنفس لمصاب بالجنون، وكما أن المرض الروحي أشد خطرا من الجسدي، فشفاؤه أشد صعوبة، أفيفاخر إذا تعيس كهذا بعد النوم بالجسد الذي هو رجل الحياة، بينما هو لا يرى شقاءه في أنه ينام بالنفس التي هي رأس الحياة، إن نوم النفس هو نسيان الله ودينونته الرهيبة، فالنفس التي تسهر إنما هي التي ترى الله في كل شئ وفي كل مكان، وتشكر جلاله في كل شئ وعلى كل شئ وفوق كل شئ، عالمة أنها دائما في كل دقيقة تنال نعمة ورحمة من الله، فمن ثم يرن دائما في أذنها خشية من جلاله ذلك القول الملكي " تعالى أيتها المخلوقات للدينونة، لأن إلهك يريد أن يدينك "، فإنها تلبث على الدام في خدمة الله.. وصحيح كل الصحة أنه يجب تجنب الرقاد الجسدي جهد الطاقة، إلا أن منعه البتة محال، لأن الحس والجسد مثقلان بالطعام، والعقل بالمشاغل، لذلك يجب على من يريد أن يرقد قليلا، أن يتجنب فرط المشاغل وكثرة الطعام، لعمر الله الذي في حضرته تقف نفسي، إنه يجوز الرقاد قليلا كل ليلة، إلا أنه لا يجوز أبدا الغفلة عن الله ودينونة الرهبية، وما رقاد النفس، إلا هذه الغفلة "!
حينئذ أجاب من يكتب " يا معلم كيف يمكن لنا أن نتذكر الله على الدوام؟
إنه ليلوح لنا أن هذا محال "، فقال يسوع متنهدا " إن هذا لأعظم شقاء يكابده
(٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 ... » »»