الثقافة الروحية في إنجيل برنابا - محمود علي قراعة - الصفحة ٤٦
يلم به لحرمانه من لذة الجنة بسبب الخطيئة، لذلك وجب أشد الوجوب وآكده على من لا يريد تغذيته باللذة الجسدية، أن يغذيه باللذة الروحية! أتفهمون؟...
والآن قولوا لي كيف يعمل الحس في الفجار؟: لأنهم يتبعون الحس، معرضين عن العقل وعن شريعة الله، فيصيرون مكروهين لا يعملون صالحا، وهكذا فإن أول شئ يتبع الحزن على الخطيئة، الصوم، لأن من يرى أن نوعا من الطعام أمرضه، حتى خشي الموت، فإنه بعد أن يحزن على أكله، يعرض عنه حتى لا يمرض، فهكذا يجب على الخاطئ أن يفعل، فمتى رأى أن اللذة جعلته يخطئ إلى الله خالقه باتباعه الحس في طيبات العالم هذه، فليحزن لأنه فعل هكذا، لأن هذا يحرمه من الله حياته، ويعطيه موت الجحيم الأبدي، ولكن لما كان الإنسان محتاجا وهو عائش إلى مناولة طيبات العالم هذه، وجب عليه هنا الصوم، فليأخذ إذا في إعانة الحس، وأن يعرف الله سيدا له، ومتى رأى أن الحس يمقت الصوم، فليضع قبالته حال الجحيم، حيث لا لذة على الإطلاق، بل الوقوع في حزن غير متناه، ليضع قبالته مسرات الجنة التي هي عظيمة، بحيث أن حبة من ملاذ الجنة لأعظم من ملاذ العالم بأسرها، فبهذا يسهل تسكينه، لأن القناعة بالقليل لنيل الكثير، لخير من إطلاق العنان في القليل مع الحرمان من كل شئ والمقام في العذاب... ".
" ولكن ليكن التائب متيقظا، لأن الشيطان يحاول أن يبطل كل عمل صالح، ويخص عمل التائب أكثر مما سواه، لأن التائب قد عصاه وانقلب عليه عدوا عنيدا، بعد أن كان عبدا أمينا، فلذلك يحاول الشيطان أن يحمله على عدم الصوم في حال من الأحوال، بشبهة المرض، فإذا لم يغن هذا أغراه بالغلو في الصوم حتى ينتابه مرض فيعيش بعد ذلك متنعما، فإذا لم يفلح في هذا حاول أن يجعله يقصر صومه على ترك الطعام الجسدي، حتى يكون مثله لا يأكل شيئا ولكنه يرتكب الخطيئة على الدوام! لعمر الله إنه لممقوت أن يحرم المرء الجسد من الطعام ويملأ النفس كبرياء، محتقرا الذين لا يصومون وحاسبا نفسه أفضل منهم، قولوا لي أيفاخر المريض بطعام الحمية الذي فرضه عليه الطبيب، ويدعو الذين
(٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 ... » »»