الثقافة الروحية في إنجيل برنابا - محمود علي قراعة - الصفحة ٤١٨
القضيتين المتناقضتين في السلب والإيجاب، على وجه يلزم من صدق إحداهما كذب الأخرى، لا يمكن الجمع بينهما، والصوفية يزعمون أنه يثبت عندهم في الكشف ما يناقض صريح العقل، ويقولون بالجمع بين النقيضين وبين الضدين، ومن سلك طريقهم، يخالف المعقول والمنقول:
ولا ريب عند ابن تيمية، في أن هذا من أفسد ما ذهب إليه أهل السفسطة وقد زاد ابن تيمية الأمر تفصيلا وإيضاحا، فعرض لمذهب ابن عربي في الاعتقاد بكل ما وردت به الأديان المختلفة، كما يدل عليه البيت المثبت آنفا، فإذا هو يقرر أن القائلين بهذا القول مشركون، لأنهم عدلوا بالله كل مخلوق وجوزوا أن يعبد كل شئ، ومع أنهم يعبدون كل شئ، فإنهم يقولون:
" ما عبدنا إلا بالله "، وهذا في نظر ابن تيمية مخالف لدين المرسلين ولدين أهل الكتاب والملل جميعا، بل ولدين المشركين أيضا، ولما فطر الله عليه عباده مما يعقلونه بقلوبهم، ويجدونه في نفوسهم، وهو في غاية الفساد والسفسطة والجحود لرب العالمين.
ويستدل ابن تيمية على ذلك كله، بأن الرسل كانوا يعتبرون ما عبده المشركون شيئا غير الله، وينظرون إلى عابده على أنه عابد لغير الله، مشرك به عادل به، جاعل له ندا! كما يستدل بأن الرسل دعوا الخلق إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وهذا هو الإسلام العام، الذي لا يقبل الله من الأولين والآخرين غيره.
ويشارك ابن تيمية في مجموعة الرسائل والمسائل في نقده وتجريحه لمذهب الصوفية في الجمع بين العقائد المختلفة، ناقد آخر من الذين نعوا على الصوفية، وهو صالح بن مهدي المقبلي في " العلم الشامخ "، فقال: " إن صح ما دعا إليه ابن الفارض وابن عربي من عدم التفريق بين الأديان ووجوب الاعتقاد بأنها فروع لأصل واحد، فإنه ينبني على ذلك ألا يكون الأنبياء منصفين، حين أنكروا على الكفار عبادة غير الله (1).. "!

(1) راجع ص 289 - 306 من ابن الفارض والحب الإلهي، للدكتور محمد مصطفى حلمي.
(٤١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 413 414 415 416 417 418 419 420 421 422 423 ... » »»