وقد فصل ابن عربي ما أجمله الحلاج، وأشار إليه ابن الفارض، فقال:
إن المؤمن في هذه الدنيا، إنما هو مؤمن على الحقيقة، مذ كانت نفسه فكرة من الأفكار الموجودة في العلم الإلهي، كما أن الكافر إنما هو كافر منذ الأزل، ويزيد ابن عربي الأمر إيضاحا فيميز بين المشيئة الإلهية، وبين الأمر التكليفي:
فالمشيئة الإلهية عنده، هي التي تفيض بكل ما يجري، ولا يمكن مخالفتها، أو الخروج على ما قضت به، في حين أن الأمر التكليفي يمكن مخالفته والخروج على أحكامه، ولهذا كانت الخطيئة في نظره عصيانا للشرع، الذي هو الأمر التكليفي، وليست عصيانا للمشيئة الإلهية!
وإلى مثل هذا، ذهب جلال الدين الرومي، إذ رأى أن الكفر أمر لا مدخل لإرادة الإنسان فيه، بل قضت به المشيئة الإلهية عليه!
ويقول الجيلي " إن الله تعالى، إنما خلق جميع الموجودات لعبادته، فهم مجبولون على ذلك، مفطورون عليه من حيث الأصالة، فما في الوجود شئ إلا وهو يعبد الله، بحاله ومقاله وفعاله، بل بذاته وصفاته، فكل شئ في الوجود مطيع لله تعالى "، أما من أين الاختلاف بين الأديان، فذلك ما يجيب عليه الجيلي " في الإنسان الكامل " بما يطابق مذهب ابن الفارض، فيرى " أن العبادات تختلف لاختلاف مقتضيات الأسماء والصفات، لأن الله متجل باسمه المضل، كما هو متجل باسمه الهادي، فكما يحب ظهور اسمه المنعم، كذلك يحب ظهور اسمه المنتقم، واختلف الناس في أحوالهم، لاختلاف أرباب الأسماء والصفات، قال الله تعالى " كان الناس أمة واحدة " يعني عباد الله مجبولين على طاعته من حيث الفطرة الأصلية، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين، ليعبده من اتبع الرسل من حيث اسمه الهادي، وليعبده من خالف الرسل من حيث اسمه المضل، فاختلف الناس وافترقت الملل، وظهرت النحل وذهبت كل طائفة إلى ما علمته أنه جواب، ولو كان هذا العلم عند غيرها خطأ، ولكن حسنه الله، ليعبدوه من تلك الجهة التي تقتضيها تلك الصفة المؤثرة في ذلك الأمر، وهذا معنى قوله " ما من دابة، إلا وهو آخذ بناصيتها " فهو الفاعل بهم